اليوم أخرجتها من خزانة الملابس. نفضت عنها حشرة كانت تبيت بين طبقات البطانة، وحين سقطت على الأرض دهستها بحذائي المهترئ. كان جيب السترة منتفخًا بعض الشيء.
إذا سألت أحد المشاهير عن حلم حياته، سيخبرك بلا تردد عن رغبته في أن يسهر في مكان عام، أو أن يتناول وجبة الغذاء بصحبة أسرته أو أصدقائه، دون أن يتعرض لمضايقات الجمهور..
لمحني جدي، فأشار لي بالاقتراب، ولما سألته عما فعل، وكيف له أن يتخلى عن غلام مسكين في هكذا ظروف، بينما يؤوي شابا يمكنه أن يتحمل ما لا يطيقه الصغير.. تبسم وقال لي: اصبر.
نولد ولدينا رصيد فطري من الإنسانية يكفي لأن نعيش جميعا في سلام ومحبة، بعضنا يزيد رصيده وبعضنا ينقص رصيده بقدر ما مر به من مواقف وظروف وبشر..
رأيتني أنا وحبيبتي نجلس على أريكة من خشب أحمر تتوسط حديقة ذات أشجار مورقة، حيث كنا نتعاهد على البقاء للأبد، وقد دونا معاهدتنا هذه بقلب يخترقه سهم وعلى كل طرف من طرفيه حروف إسمينا..
في الريف والحارات الشعبية القديمة، الشارع لم يكن مجرد طريق للعبور، كان أقرب لصالون أو نادي اجتماعي يتجمع فيه الناس من أجل تبادل الحكايات والأخبار واللعب أحيانا..
عم حنفي الترزي لم ينس مهنته الأصلية وهو ما انعكس على فتاويه، فهو دائمًا يحيك آراءه في المساء، وفي الصباح يقيس مدى رضا زبائنه عنها بالمازورة..
تحولت ذاكرتي إلى سائح يتجول في التاريخ، فشاهدت أنبياء وملوك ورؤساء وسياسيين وغيرهم، حين يضيق بهم الحال يولوا وجههم شطر مصر، التي لا ترد قريب أو غريب، حتى ولو كانت تمر بظروف صعبة..
تنوعت أشكال التعبير بلغة الجسد لدى السائق ما بين الزغد والخبط والرزع والطبطبة على الكتف، التي لولا الملامة والخوف من كلام الناس لكانت سطورا في محضر رسمي بقسم بولاق أبوالعلا..
لا أعرف لماذا كنت مفتونا بأغنية «داري العيون داريها»، ففي هذا السن الصغير كنت أحفظها عن ظهر قلب ويمكنني تسميعها، كما يسمع العيل فينا جدول الضرب على نفس واحد..
حامد، شيخ القرية، تخطى الخمسين بسنوات خمس، بشرته نحاسية، تحسبه من بعيد أسمر، وحين تقترب منه، يتبين لك بياض وجهه الغارق في حمرة نحاسية، سمين، في غير ترهل، ممشوق. نظرته حادة، لم يضبط يوما وهو يتبسم..
بنات لبنان فاتنات يتألقن كنجمات لامعات في ليل حالك فيخطفن الأنظار أينما كن، فهن على الدوام ساحرات يهتممن بجمالهن وأناقتهن، وهو ما يجعلهن حلما لكل شاب عربي..
الأمهات ساحرات، يجدن إخفاء الألم بين طيات الهواء، يقطبن جروح القلوب بلا خيوط، يرسمن البسمة على الوجوه المتعبة بلا فرشاة ولا ألوان، يجففن بحيرات الحزن بلا شمس..
توقعت أن ينطلق السائق في طريقه لينقلنا من الطوابق فيصل إلى التحرير عبر الدائري ثم المحور.. وبينما نحن نستعد للم الأجرة، نادى أحد الواقفين في الشارع: «ياسطى الجردل ع الأرض»..
في الواقع اللي كله قواقع وفي الحقيقة الواضحة كبقعة زيت على جلابية بيضا ألبسها كل ثلاثاء من أجل صلاة الجمعة، فإن الست أم أحمد سوابق، حيث سبق لها وأن تهربت من تسديد قرض بثلاثة آلاف جنيه..