الخطأ الذي أدخلني الجنة
منذ عشر سنوات لم أرتد هذه السترة.. لقد تقشر جلدها المكرمش كبشرة عجوز، فبان النسيج مهترئًا مثل خيوط عنكبوت قدتها أصابع طفل مذعور يكابد للخروج من منزل مهجور. اليوم أخرجتها من خزانة الملابس. نفضت عنها حشرة كانت تبيت بين طبقات البطانة، وحين سقطت على الأرض دهستها بحذائي المهترئ. كان جيب السترة منتفخًا بعض الشيء.
ذكرني بانتفاخ بطن حبيبتي السابقة.. كان ذلك قبل أربع سنوات. جاءتني متورمة العينين تضع يدها على معدتها وهي تبكي، وطلبت مني أن أصلح «غلطتي». ضحكت وقلت لها إن القبلة التي طبعتها على شفتها السفلة قبل ذلك بليلة ليس من شأنها أن تضع بذرتي في أرضها. نحبت وسعلت، وحين اصطحبتها إلى الطبيب، كتب لها دواءً للحموضة وطلب منها ألا تتناول المشروبات الغازية ولا الألبان حتى يذهب الانتفاخ.
سر محل العصير
فتحت «سوستة» الجيب بصعوبة، فقد صدأت سنونها المعدنية المتداخلة كعشاق يحتضن كل منهم وليفه. وجدت داخل الجيب ورقة متآكلة ومثنية، مكتوب عليها: «جنة فواكه عباد الرحمن» ماذا؟ جنة فواكه عباد الرحمن؟
رغم وهن ذاكرتي، فأنا لا أخطئ هذا الاسم.. إنه اسم محل العصير الذي أذهب إليه كل يوم – بلا انقطاع - منذ عشر سنين.. لكنني في كل مرة أجده مغلقًا. وفي كل يوم أجده مغلقًا، أدخل المسجد الكائن خلف المحل، فأصلي الظهر وأسأل أحد الموجدين به عن «جنة فواكه عباد الرحمن» فيقول لي إن صاحب المحل يغلق أبوابه مع كل صلاة ويعيد فتحه بعد فراغه من أداء الفريضة.
لعشر سنوات كاملة، لم أتمكن من مقابلة صاحب المحل ولم أصادف المحل ذاته مفتوحا، فبعد فراغي من الصلاة أعود إلى المنزل مسرعًا، لأقضي باقي يومي ثم أنام وأكرر المشوار نفسه في الصباح التالي. حقيقة، لا أعرف ما هو سر ذهابي إلى محل «جنة فواكه عباد الرحمن».. لمَ أريد مقابلة صاحبه؟!
ظلت الأسئلة تنهش عقلي، إلى أن فتحت الورقة المثنية، فوجدت أسفل عبارة «جنة فواكه عباد الرحمن» كلاما بخط يدي وهذا نصه: «جنة فواكه عباد الرحمن.. هذا المحل هو العلامة المميزة التي ستمكنني من معرفة مكان المسجد الذي عينتني فيه وزارة الأوقاف مقيمًا للشعائر»، ثم وجدت أمضائي متبوعًا بـ «إسمي.. ووظيفتى.. أعاني من ضعف الذاكرة».