قنبلة شمال أفريقيا.. الأزمة الليبية والأوضاع في تونس.. وتوتر العلاقات بين المغرب والجزائر خطر وشيك يهدد أوروبا
تعاني دول شمال أفريقيا (أو عرب شمال أفريقيا) من أزمات متعددة ومتنوعة بعضها مزمن أصبح بمثابة قنبلة قابلة للانفجار بشكل يمكن أن يقضي على الأخضر واليابس، ويهدد ليس فقط هذه الدول ولكن الشاطئ الآخر من البحر المتوسط المتمثل في دول القارة الأوربية، التي يمكن أن تتعرض لموجات مهولة من الهجرة غير الشرعية عبر القوارب المطاطية المليئة بالبشر وانتشار الإرهاب.
وتعود التوقعات بالأسوأ حال انفجرت قنبلة شمال أفريقيا إلى ما تعانيه ليبيا من أزمة متصاعدة بين رئيس الحكومة المنتهية ولايته عبد الحميد الدبيبة، ورئيس الحكومة الحالي فتحى باشا أغا، مما يؤثر على الشعب الليبى بشكل كبير اقتصاديًّا وسياسيًّا وماديًا.
صراع تونس
فيما تعاني تونس هى الأخرى من صراع سياسي محموم بين رئيسها قيس سعيد وجماعة الإخوان ممثلة في حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشى الذى يطل كل يوم بتصريح جديد يقلب موازين ذلك البلد الذى تسعى للتخلص من أزماته والتعافى بخطوات مستمرة والتى كان آخرها تغيير الدستور.
إلى جانب ذلك، دخلت إسرائيل على الخط بين المغرب والجزائر وما بينهما من توتر في العلاقات على مدار عقود إلا أن هذا التوتر دخل منعطفًا جديدًا فى ديسمبر 2020 عندما أعلن المغرب تطبيع علاقاته مع إسرائيل مقابل اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المملكة على أراضى الصحراء الغربية، وهو الموقف الذى أدى بالجزائر إلى عزل نفسها دبلوماسيًّا عن المغرب بشكل تدريجى، خاصة بعد أن أعلنت إسبانيا فى مارس من العام الحالى تأييدها لخطة الحكم الذاتى للصحراء الغربية التى تدعمها المغرب، وهو ما كان بمثابة صدمة للجزائر.
كما أن الشهور الأخيرة شهدت تصاعد حملات الهجوم اللفظى بين البلدين لتصل ذروتها فى شهر يوليو عندما أعلن عمر هلال، سفير المغرب لدى الأمم المتحدة تأييده الصريح لحق سكان منطقة القبائل فى تقرير مصيرهم ردًا على الدعم الجزائرى لجبهة البوليساريو، ما أثار غضب الحكومة الجزائرية التى سارعت لاستدعاء سفيرها لدى المغرب "للتشاور"، وفى الوقت نفسه تصدرت مزاعم تشير إلى تورط المملكة فى استخدام برنامج بيجاسوس للتجسس الإلكترونى لاستهداف هواتف شخصيات عامة ومسئولين سياسيين وعسكريين جزائريين لكن قوبل ذلك بالنفى، وما زاد الطين بلة اتهام الجزائر المغرب بدعم جماعتين تدرجهما على قوائم المنظمات الإرهابية وهما "رشاد الإسلامية " و"ماك" الانفصالية فى منطقة القبائل، وحملها، بدون دليل مادى، مسئولية الحرائق التى اجتاحت الحياة البرية فى الجزائر.
الأزمة الليبية
وحول الأزمة الليبية، يرى محمد فتحى الشريف، رئيس مركز العرب للدراسات والأبحاث والباحث المتخصص فى شئون ليبيا، أن الأوضاع فى ليبيا مهددة بالانفجار فى الأجسام السياسية بالبلاد وأوروبا كلها، مشيرا إلى أن الانسداد السياسى فى الأزمة الليبية سيكون له تداعيات خطيرة حال عدم التوصل إلى حلول، وخاصة أن تردى الأوضاع المعيشية أصبح قنبلة موقوتة قابلة للانفجار فى كل المكونات السياسية الحالية التى فشلت على مدار عقد من الزمن فى التوصل إلى حلول حقيقة.
وأضاف: الشعب الليبى سئم الانقسام السياسى والتدخلات الدولية وتردى الأوضاع والفساد الواضح فى بعض المؤسسات وخاصة بعد إقالة مصطفى صنع الله رئيس المؤسسة الوطنية للنفط من قبل رئيس الحكومة المنتهية ولايته عبد الحميد الدبيبة، إذ كشف الأول أنه سلم الأخير 165 مليار دينار ليبى من إيراد المؤسسة خلال فترة توليه الحكومة، وهذا الرقم يعد كبيرا جدا، وهذا يؤكد فساد الحكومة والعبث بأموال الشعب الليبى الذى أصبح فى حالة غير مسبوقة من تردى الأوضاع الاقتصادية وانقطاع التيار الكهربائى لفترة تتجاوز 18 ساعة فى بلد غني بالنفط، فضلا عن تأخر الرواتب بالأشهر فى أغلب القطاعات الرسمية.
وأكد "الشريف"، أن الشعب الليبى منح الأجسام السياسية كافة الفرص، حتى وصل الأمر إلى انسداد فى المسار الدستورى بسبب تعنت مجلس الدولة الذي عطل إجراء الانتخابات السابقة فى نهاية العام الماضى، إضافة إلى تمسك الدبيبة برئاسة الحكومة بعد انتهاء مدته وعدم تمكن حكومة فتحى باشاغا من إدارة المرحلة خوفا من عودة الاقتتال، وهو الأمر الذى ظهرت إرهاصاته خلال الفترة الماضية من القتال بين الميليشيات فى العاصمة طرابلس، والذى خلف ضحايا، بالإضافة إلى حادث انفجار ناقلة النفط فى منطقة (بنت بية) بالجنوب بسبب أسباب اقتصادية وتدافع الشعب على الحصول على النفط من النقلة، كل هذا يجعل الأمور السياسية معقد والحل بعيد المنال.
واختتم الشريف قائلًا: إن الميليشيات المسلحة فى العاصمة تشكل خطرًا داهمًا على أوروبا حال اندلاع حرب بين تلك الميليشيات التى أصبحت الآن وبعد غياب الدولة لعقد من الزمن لها قوة ونفوذ ولديها أسلحة متنوعة وداعمين فى الخارج والداخل، ولذلك نجد التحركات الأوروبية فى الفترة الأخيرة لحل الأزمة الليبية سياسيا وتثبيت وقف إطلاق النار الذى أبرم فى أكتوبر 2020، السيناريو القادم مخيف على أوروبا وأفريقيا والمنطقة كلها.
الجزائر والمغرب
وعن مخاطر التوتر بين الجزائر والمغرب قال اللواء أركان حرب دكتور محمد الشهاوى، مستشار كلية القادة والأركان العسكرية ورئيس أركان حرب الحرب الكيميائية الأسبق وعضو المجلس الوطنى للشئون العربية، إن هناك توترا فى العلاقات بين الجزائر والمغرب منذ مدة طويلة، وعندما تظهر إسرائيل فى المنتصف بينها، فإن ذلك يؤدى إلى فوضى كبيرة، مشيرًا إلى أن الحس السياسى لدى الدولتين لن يسمح بوجود تطور أو فوضى لأن الجزائر والمغرب من دول شمال أفريقيا التى تؤيد الاستقرار والأمن فى المنطقة، لذا فمن الصعب عودة ظهور الإرهاب وداعش من جديد حتى فى ظل العلاقات المغربية الإسرائيلية، متابعًا: نحن نعلم أن إسرائيل أيضًا لها علاقات مع البحرين والإمارات، وبالتالى فالعلاقات بين الدولتين لن تؤدى إلى تدهور الموقف أو الفوضى.
وفى تونس فمخاطر الصراع بها مختلفة جزئيًا عن باقى دول شمال أفريقيا، فصحيح أن هناك صراعا دوليا أصبح يلقى بظلاله على العالم، وقد ساهمت الأزمة الأوكرانية الروسية فى المزيد من تفاقمه، لكن بطبيعة الحال تونس ليست فى معزل عن هذا الصراع، خاصة أن موقعها مهم جدًّا باعتبارها بوابة قارة أفريقيا التى أصبحت وجهة القوى العالمية الكبرى، إضافة لتواجدها قبالة سواحل القارة الأوروبية وقربها من ليبيا التى أصبحت تكتسى أهمية كبرى فى معادلات الطاقة بعد أزمة الغاز التى فرضها الروس على الاتحاد الأوروبى وأمريكا.
وعن الوضع في تونس، رأى اللواء محمد الشهاوى، أن الأمور هناك لم تعد على حافة الهاوية، وقال: نحن نشهد نهاية وشيكة ومرتقبة لجماعة الإخوان بعد أن انتهت فى مصر، فالدول الأوروبية لا تريد الأمن والاستقرار فى تونس، لكننا نجد أن الرئيس قيس سعيد يتخذ مواقفَ إيجابية وقانونية للقضاء على جماعة الإخوان ممثلة في حركة النهضة حتى يقوم الشعب بتحديد مقدراته بنفسه، ومن المحتمل أن نرى فى القريب العاجل انتخابات برلمانية لاستقرار أمن تونس الشقيقة، والتى تعتبر أمنها امتدادًا للأمن القومى المصرى والعربى، وعلى القائمين على السلطة البحث أكثر ما يمكن عن مصالح تونس وشعبها والمحافظة على استقلالية القرار الوطنى السيادى لكى لا تتحول تونس إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية.
نقلًا عن العدد الورقي…،