هل ظلمنا المرأة؟! (1)
هل ظلمنا المرأة حقًا بعاداتنا وتقاليدنا حين أغفلنا الشرع الحكيم خصوصًا في مسائل الميراث والتعليم؟! وهل هذا الظلم متواتر في المجتمع أم أنه حالات لا ترقى لدرجة الظاهرة.. وهل يبالغ دعاة الدفاع عن المرأة في دعواهم حتى طالبوا بمساواتها بالرجال.. وإذا كانت كل هذه الجمعيات والمجالس قد تداعت للمطالبة بحقوق المرأة.. فأين حقوق الرجل؟!
لا شك عندى أن المرأة لا تزال بمكانة تليق بها في مجتمعاتنا.. فهل كنا في حاجة حقيقية لجمعيات حقوق المرأة.. والسؤال بصيغة أخرى هل طبقنا مبادئ الدين الحنيف في التعامل مع المرأة أم تعاملنا مع نصوصه على طريقة ولا تقربوا الصلاة، وفهمنا من القوامة التعسف في ممارسة الحق لقصور كبير في الفهم!
إذا أردتم أن تعرفوا مكانة المرأة في ثقافتنا وشريعتا فارجعوا لسيرة خير الخلق وانظروا كيف عامل نساءه وبناته وماذا قال في خطبة الوداع!
لاشك أن المرأة كلمة السر في كل حياتنا؛ فهي ليست نصف المجتمع كما يقال بل هي أكثر من ذلك، فهي وإن كانت نصفه عددًا فإنها تلد وتربي وتعلم نصفه الآخر، وتترك فيه شيئًا من طباعها ونفسها وثقافتها وسلوكها بحسبانها حاضنة طبيعية للأبناء لسنوات متصلة منذ نعومة أظفارهم، فتشكل أفكارهم ووجدانهم ورؤيتهم للعالم من حولهم..
ومن ثم فلا عجب والحال هكذا أن يكون صلاح أي مجتمع رهنًا بصلاح نسائه.. فكيف يُهزم مجتمع تقف المرأة بكل ما أوتيت من صبر وقوة تحمل وعاطفة أمومة وحنان خلف كل رجل فيه، تدفعه وتشجعه وتسنده في وجه التحديات والملمات والشدائد..
ولقد بُعث رسولنا صلى الله عليه وسلم والمرأة تعاني بصورة عامة هضمًا لحقوقها، وإجحافًا في معاملتها، واستخفافًا بشأنها، بل وتشكيكًا في إنسانيتها، فأنصفها وأعلى منزلتها وحفظ مكانتها وحرم انتهاك حقوقها.. ويكفي تكريما للمرأة أن الله تعالى أنزل في قرآنه سورة كاملة باسم النساء.
وقد حرصت سنة الرسول الكريم على إعلاء شأن المرأة فقد أوصى المصطفى بالنساء خيرًا في خطبته المشهورة: "استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عندكم عَوَان" يعني أسيرات، رافعًا شأن المرأة بقوله: "خياركم خياركم لنسائهم، خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".. وقوله: "النساء شقائق الرجال".
فأين دعاة حقوق الإنسان من هذا الخطاب النبوي الرفيع الذي يصون كرامة المرأة ويجعلها في أعلى درجات التكريم والرفعة.. ألا يكفي ذلك لتحظى المرأة بمكانة رفيعة في مجتمعاتنا، ويكف السفهاء عن جعلها مادة للإثارة تارة، وللمزايدة على حقوقها (المصونة شرعًا ودستورًا وقانونًا) والإلهاء تارة أخرى؟!
أما ثقافتنا فهي تحتفي بالمرأة التي كانت ولا تزال مصدر إلهام للشعراء والأدباء؛ فجرت طاقات الإبداع بداخلهم فنظموا أجود ما عرفته البشرية أدبًا خالدًا ينطق بالروعة والإبداع.. ولم يغفل الفلاسفة والحكماء مكانتها ودورها فجرت حكم وأقوال مأثورة ترفع قدرها وتجعلها محط الإعجاب والتقدير..
فقد قيل مثلًا فيها: "المرأة التي تهز المجد بيمينها تستطيع أن تهز العالم بيسارها".. و"المرأة الصالحة تشبه الأم والأخت والصديق".. و"إذا كانت المرأة الجميلة جوهرة فالمرأة الفاضلة كنز".. و"وراء كل عظيم إمرأة" لولاها ما بلغ تلك المرتبة.. وأيضًا: "وراء كل رجل سعيد امرأة لا تفارق البسمة شفتيها".. و"إذا أردت أن تعرف رقي أمة فانظر إلى نسائها".
وفي المرأة صيغت رسائل كثيرة منها: "أن الرجل قد يكتب عن الحب كتابًا ولا يستطيع مع ذلك أن يعبر عنه لكن كلمة واحدة من المرأة عن الحب تكفي لذلك كله".. و"النِّسَاءُ ثَلاَثَةٌ كما يقول عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: امْرَأَةٌ هَيِّنَةٌ لَيِّنَةٌ عَفِيفَةٌ مُسْلِمَةٌ وَدُودٌ وَلُودٌ تُعِينُ أَهْلَهَا عَلَى الدَّهْرِ, وَلاَ تُعِينُ الدَّهْرَ عَلَى أَهْلِهَا، ثَانِيَةٌ: امْرَأَةٌ عَفِيفَةٌ مُسْلِمَةٌ إنَّمَا هِيَ وِعَاءٌ لِلْوَلَدِ لَيْسَ عِنْدَهَا غَيْرُ ذَلِكَ، ثَالِثَةٌ: غُلٌّ يَجْعَلُهَا اللَّهُ فِي عُنُقِ مَنْ يَشَاءُ وَلاَ يَنْزِعُهَا غَيْرُهُ".
"لا جوهرة في العالم أعلى قيمة من إمرأة تنزّه نفسها مما يعاب.. الرجل من صنع المرأة فإذا أردتم رجالًا عظامًا فعليكم بالمرأة؛ تعلمونها ما عظمة النفس، وما الفضيلة". و"أسعد ساعات المرأة هي الساعة التي تتحقق فيها أنوثتها الخالدة وأمومتها المشتهاة.. وتلك ساعة الولادة"..
"أعظم إمرأة تلك التي تعلمنا كيف نحب ونحن نكره، وكيف نضحك ونحن نبكي، وكيف نصبر ونحن نتعذب؛ فالمرأة تجعل البيت جميلًا والعالم سعيدا بالقدم على المهد.. وبالمغزل في اليد".. فهل بعد كل هذا يأتي من يقول إننا ظلمنا المرأة؟!