رئيس التحرير
عصام كامل

رسول القلوب!

من وقت لآخر نحتاج لالتقاط الأنفاس وتقييم علاقاتنا بمن حولنا، فالعلاقات تنمو وتكبر وتشيخ وتذبل ومنها ما يصمد ولا تزيده الأيام والمواقف إلا رسوخا، ومنها ما يتساقط كتساقط الأوراق في الخريف.. فهل فكرت يومًا في مدى تأثير الكلمات التي نستخدمها يوميًا على حياتنا؟ سواء كانت محادثات مع الآخرين أو حديثك الداخلي مع نفسك.. هل فكرت في ضخ جرعات جديدة من الحيوية مع من تحب.


الكلمات مفتاح العلاقات، ذلك أنها تمتلك قوة تأثير هائلة على تغيير حياتك.. وهذا ما حاول كتاب الكلمات وتأثيرها على العقل لمؤلفيه أندرو نيوبيرغ ومارك روبرت والدمان، أن يسلط الضوء عليه، وأن يضع أيدينا على كيفية تأثير الكلمات على أنظمتنا العصبية، مشاعرنا، وحتى سلوكياتنا..

 

فإذا كنت ترغب في فهم التأثير العميق للكلمات على عقلك وحياتك اليومية، فهذا الكتاب يمثل رحلة ممتعة ومفيدة لاستكشاف أبعاد هذا التأثير وآفاقه.


الكلمات ليست مجرد أصوات تُطلق في الهواء، بل هي إشارات تُرسل إلى الدماغ وتُحدث تغييرات في الكيمياء العصبية. عندما نستخدم كلمات إيجابية، يتم تحفيز المناطق المسئولة عن المكافأة في الدماغ، مثل النظام اللمبي الذي يُفرز هرمونات مثل الدوبامين والسيروتونين، مما يجعلنا نشعر بالسعادة والطمأنينة.


أما الكلمات السلبية فتعمل، كما يقول الكتاب، على تفعيل "آلية التهديد" في الدماغ. هذا يعني أن المناطق المرتبطة بالخوف والتوتر، مثل اللوزة الدماغية، تنشط بشكل أكبر مما يؤدي إلى زيادة مستويات التوتر والقلق، وهذا التأثير طويل المدى، حيث يمكن أن يؤثر على الصحة الجسدية أيضًا من خلال زيادة هرمونات التوتر مثل الكورتيزول.


لا شك أن الكلمات تؤثر على تفاعلاتنا مع الآخرين، سواء أصدقاؤنا أو زملاؤنا في العمل، أو حتى مع الغرباء، فإنها تُحدد جودة علاقاتنا وقدرتنا على بناء الثقة والانسجام.. التواصل الإيجابي والرحيم، يعتمد على كلمات مشجعة ومحترمة، يمكن أن يعزز العلاقات ويقرب بين الأشخاص.


الكلمات السلبية والانتقادات اللاذعة تؤدي إلى تقويض الثقة وبناء حواجز بين الناس. عندما نتحدث مع الآخرين بطريقة سلبية أو متهكمة، حتى لو كان ذلك بشكل غير مباشر، فإن الدماغ يتفاعل كما لو كان تحت هجوم. هذا يؤثر ليس فقط على مستقبل العلاقات، بل يؤدي أيضًا إلى خلق بيئة غير صحية من التوتر والخلافات.


لا تؤثر الكلمات فقط على عواطفنا أو علاقاتنا، بل أيضًا على صحتنا الجسدية، فالتفكير السلبي واستخدام الكلمات السلبية بشكل متكرر يمكن أن يزيد - كما يقول المؤلفان- من إفراز هرمونات التوتر في الجسم، مثل الكورتيزول، مما يؤثر على صحة الجهاز المناعي ويؤدي إلى أمراض مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري.


المدهش أن علاقة الإنسان بذاته والتحدث بإيجابية مع نفسه واستخدام كلمات تحفيزية يمكن أن يُخفض من مستويات التوتر ويحسن الصحة العامة. الكلمات الإيجابية تُشعرنا بالسلام الداخلي وتُسهم في تحسين جودة النوم، وتقليل مستويات القلق، وحتى تعزيز الشفاء من الأمراض.


الحديث مع الذات يمكن أن يكون إما محفزًا ومشجعًا أو مثبطًا ومعرقلًا للتقدم. الكلمات التي نستخدمها في حوارنا الداخلي تشكل نمط تفكيرنا وتؤثر على مستوى الثقة التي نشعر بها تجاه أنفسنا.


التحدث الذاتي السلبي، مثل قولك مثلا: أنا لا أستطيع القيام بهذا، يُعرقل قدرتك على اتخاذ القرارات الجيدة ويؤدي إلى الشعور بالفشل حتى قبل بدء التحدي. أما التحدث الذاتي الإيجابي، مثل: لدي القدرة على النجاح، فيعزز من فرص النجاح ويمنحك الطاقة اللازمة لمواجهة التحديات.


التواصل الرحيم، هو أسلوب يعتمد على استخدام كلمات تعبر عن التعاطف والاحترام. التواصل الرحيم ليس فقط وسيلة لبناء علاقات شخصية قوية، بل هو أيضًا أداة فعالة لتحسين المجتمع بشكل عام، فالكلمات التي تُعبر عن التعاطف والتفهم يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا في التعامل مع النزاعات.

 

عندما نتحدث بلغة الرحمة والاحترام، نخلق بيئة آمنة للحوار والتفاهم، كما يعزز التواصل الرحيم يُعزز الشعور بالانتماء والثقة في المجتمعات ويقلل من مستوى التوتر والصراعات.

 


مثل هذا الكلام وغيره سبق إليه القرآن قبل أكثر من 1400 عام، حين خاطب موسى وهارون أن يذهبا إلى فرعون بخطاب لين لعل ذلك يفتح قلبه.. يقول الله تعالى: "فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ" وما أعظم قول النبي الكريم: "الكلمة الطيبة صدقة".. الكلمة رسول القلوب فأحسنوا انتقاءها!

الجريدة الرسمية