رئيس التحرير
عصام كامل

سحر الإطراء!

الإطراء هو امتداح صفة في الآخرين.. وسحر الإطراء لا يقاوم.. خيط رفيع بين الإطراء والنفاق، فالأول، في رأيي، هو ثناء مستحب ربما لتأليف القلوب واستمالتها وربما لتحفيز الآخرين على بذل مزيد من الجهد في العمل أو المذاكرة كما هو الحال مع الأبناء أو الطلاب مثلا.. وهذا شيء مستحب لا شيء فيه، وما دام يبتغي تحسين الحالة النفسية والمزاجية للشخص المستهدف بالإطراء ودفعه لإخراج أفضل ما فيه.


يقول ديل كارنيجي في كتابه المهم، فن التعامل مع الناس: إن السر الأعظم في معاملة الناس هو أن تشبع رغبة في حاجتهم الشديدة لأن يكونوا شيئًا مذكورًا، فكثير من الناس ارتكبوا حماقات أودت بهم في النهاية إلى الزنازين أو إلى حبل المشنقة فقط في سبيل أن يشار إليهم بالبنان، أو تنشر صورهم في صفحات الجرائد الأولى. 

 

فكل إنسان يحتاج لتقدير ذاته، وإشباع هذا الجانب كفيل بأن يشعل حماسته ويسخره لك للقيام بأي شيء تريده، هكذا لو علمت كيف تثير حماسة فريق العمل لديك لأمكنك أن تسخرهم لإنجاز أي عمل تريد.


والطريق إلى ذلك، كما يقول كارنيجي، هو أن تعرف كيف تمدح الناس وتذكر مزاياهم وتمطرهم بوابل من الإطراء والثناء طوال الوقت، فتمتلك مفاتيح التأثير على الآخرين وتدير دفة التعامل مع الناس. فالإطراء سحر لا يسلم منه أي إنسان، خاصة إذا أتقنت فن الثناء والمديح، وإذا أتقنت فن المديح أتقنت فن التعامل مع الناس.


وفي المقابل فإن كثرة اللوم تميت العلاقات، وتدفعها لحافة النهاية، وتخلق نفورا مستحكما بين اللائم والملوك..وهنا يحذر كارنيجي من هذا المسلك السلبي المميت فيقول: إياك ولوم الآخرين أيًّا كان ما يقترفون من أخطاء وكوارث؛ فاللوم قاتل صامت يشوِّه العلاقات ويغلق دونك أي باب من أبواب فن التعامل مع الناس. وبدلًا من اللوم ضع نفسك مكان الشخص وفكِّر، فقد تقترف فعله نفسه لو كنت مكانه.


وهنا نصل مع كارنيجي لحقيقة مهمة يجهلها كثير من الناس وهي أن لكل شخص مفتاح، فثمة من مفتاحه الحب والتدليل، وثمة من يلين بالمديح، وثمة من يلين بالشدة والتخويف، لكن ليس كلنا يحسن توظيف المفاتيح النفسية.


لكن ديل كارنيجي استطاع ببراعة أن يضع بين يديك مفتاح أي شخص تريد أن تؤثر فيه، فقط إذا عرفت كيف تمرر مرادك منه بتطويعه طبقًا لما يريد هو.. كيف؟!
 

عندما تذهب لاصطياد الأسماك، فأنت لا تفكر فيما تحب أن تأكله أنت، فلا تضع الكريز أو الكريمة، ولكن تضع الدود بالسنارة ثم تلقيها للسمك، فلماذا لا نستخدم المنطق نفسه في اصطياد الناس؟! ماذا يقول ديل كارنيجي عن فن التعامل مع الناس؟


إن الطريقة الوحيدة للتأثير في الشخص الآخر أن تتحدث عما يريده هو، ثم ترشده إلى طريقة تحقيق ما تريده أنت. دعني أضرب لك مثالًا.. أنت تريد أن تجعل ابنك يقلع عن التدخين، فلا تذهب لتبين له أضرار التدخين وخطورة التدخين على الصحة و.. و..، بل في المرة القادمة قل له: إن التدخين سيعوقه عن الفوز في مباراة كرة القدم، التي يهتم هو أن يفوز فيها أفضل من أي شيء آخر.


وهكذا عليك دائمًا أن تستخدم الطعم الذي يلائم الصيد، وإذا فعلت ذلك فقد امتلكت أحد أكبر أسرار فن التعامل مع الناس. أظهر اهتمامًا غير مشروط بالناس فإذا لم تهتم لأحد، فلماذا تطلب من الناس الاهتمام بك، الاهتمام عملة يجب لكي تحصل عليها أن تنفقها أولًا، حتى يكون الجزاء من جنس العمل.

 


أظهر سعادتك واهتمامك بالناس من حولك على نحو حقيقي ودون مقصد، حتى يظهروا لك الشعور نفسه من الحب والاهتمام من غير تصنع ولا ابتذال.. عامل الناس بما تحب أن يعاملوك. إنها من أهم قواعد العلاقات الإنسانية، وقد أخبر بها رسولنا الكريم قبل ديل كارنيجي في كتاب فن التعامل مع الناس بأكثر من 14 قرنًا من الزمان.. فالدين المعاملة.

الجريدة الرسمية