ليه النكت مبقتش تضحكنا؟!
الشعور بالاكتفاء مؤلم، الوصول لحالة تشبع من كل شيء وأي شيء يعنى ببساطة أنه لا شيء يهم، لا شغف، لا انتظار لأحد، هو شعور أقرب للزهد والاستغناء والإعراض عن أشياء كانت حتى وقت قريب مثار اهتمام وترحيب..
هناك مراحل يعزف فيها الإنسان عن كل شيء دون التقيد بسن معينة، وهى حالة قد تحدث للشاب في ريعان شبابه وقد تصيب الرجل أو الكهل أو الشيخ الطاعن في السن، ربما كثرة المواقف وقسوتها هي التي تنصهر فيها النفس البشرية، قد تجد شابا شاخت مشاعره وقد تجد عجوزا ولا تزال مشاعره عفية غضة مفعمة بحب الحياة.
مثل هذه المشاعر وغيرها تفيض بها صفحات السوشيال ميديا وهي لسان حال الكثيرين الذين خاصمت الابتسامة وجوههم لأسباب نعلم بعضها ونجهل كثير منها، لكن أكثر ما تألمت له منشورا يقول صاحبه "لقد كبرنا لدرجة أننا لم نعد نبحث عن أصدقاء جدد، أو حتى عن أناس نحبهم ويحبوننا!
كبرنا لدرجة بقينا نلبس نفس الهدوم يومين وثلاتة وأربعة وعادي، كبرنا حتى أننا بطلنا نجادل حد لما نعرف إنه إحنا الصح وسيبنا للأيام تثبت صحة وجهة نظرنا، كبرنا لدرجة بطلنا نحكي لحد إيه اللي حصل وبيحصل معانا ولا إيه اللي بيوجعنا.
بقينا نفرح سُكّيتي ونزعل سُكّيتي، لأن فرحنا أو زعلنا مش بيهم حد، وبقى عادي ومش مهم أبدًا لا نوع تليفوني ولا ماركة هدومي وفين ساكن، ولا راكب عربية نوعها إيه، ولا بآكل فين وإيه وبكام، ولا حتى عايشين ازاي!
ما بقتش النكت العادية تضحكنا، لأن مش أي حاجة بقت ترسم بسمة على وشوشنا المرهقة، هي بس ذكريات زمان اللي بنفتكرها ونحاول نعيش معاها أو نعيش بيها وفيها، وما بقاش يأثر فينا الكلام الحلو أو المعسول، لأن كل اللي عايزينه أفعال وأفعال من جوه القلب بصدق، من غير مصلحة أو هدف.
كبرنا وبقينا حتى وإحنا بندّي أي حسنة لحد، مش محتاجين نقول له: إدعي لنا، لأن ربنا وحده هو العالم، كبرنا وعرفنا إن المظاهر خداعة، وعرفنا كمان إنه فعلا مش كل اللي بيلمع يبقى دهب، وإن حبل الكدب قصير، وعرفنا حتى اللي بيضحك علينا، وسبناه لغاية ما يصدق نفسه!
والأهم، اتعلمنا ما نستناش حاجة من حد مهما كان، قريب، بعيد، ما تفرقش، لأن ببساطة إذا كان اللي كنت بتعتبره أقرب من حبل الوريد سرقك وضحك عليك وقل قيمتك وباعك وقبض التمن، فما بالك بغيره!
والله العظيم تلاتة كبرنا، وتعبنا أوي، وما بقاش فينا حيل للمناهدة أو المشاركة في أي مسخرة،
أرجوكم، كل واحد يخلي باله من نفسه وبس، كفاية هزايم!"
ترى هل يمكن لمراكز البحث والجامعات وخصوصا أساتذة علم النفس والاجتماع يرصدون حركة المجتمع وتوجهاته، وما أصابه من تغير حاد في السنوات الأخيرة ليجيبوا عن سؤال طرحه مفكرنا العظيم الراحل جلال أمين ولا يجد جوابا شافيا وهو: ماذا حدث للمصريين؟!