رئيس التحرير
عصام كامل

العارفون حقًا!

هل سألت نفسك يومًا: من هم العارفون حقًا؟! لفظ العارفين يطلق في الغالب على "العارفين بالله تعالى والواصلين إليه بطاعته"، ويختلف المعنى المراد من اللفظ بحسب قائله؛ فابن القيم مثلًا يقول في مدارج السالكين: العارفون بالله وحكمته في أمره وشرعه وخلقه، وأهل البصائر في عبادته ومراده بها.


أما الدكتور مصطفى محمود مفكرنا الكبير الراحل فيقول في كتابه نار تحت الرماد: ليس العارفون هم حملة الشهادات.. وإنما هم أهل السلوك والخشوع والتقوى وهؤلاء قلة لا زامر لهم ولا طبال.. وليس لهم فى الدنيا راية ولا موكب.. وسلوكك هو شاهد عملك وليس الدبلوم أو البكالوريوس أو الجائزة التقديرية.

أما العارفون الذين هم العارفون حقًا فهم البسطاء. أهل الاستقامة والضمير الذين تراهم دائمًا فى آخر الصف إذا حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا.. وإذا ماتوا لم يمش خلفهم أحد. هؤلاء إذا دفنوا بكت عليهم السماوات والأرض وشيعتهم الملائكة.


العارف بالله لا يطالب ولا يخاصم ولا يعاتب ولا يرى له على أحد فضلًا ولا يرى له على أحد حقًا.
العارف بالله من أَنِسَ بالله فأوحشه عن الخلق وافتقر إليه فأغناه عنهم وذل فأعزه فيهم وتواضع له فرفعه بينهم واستغنى بالله فأحوجهم إليه. قال صلى الله عليه وسلم: "أنا أعرفكم بالله وأشدكم خشية".
العارف بالله كالسحاب يظل كل شيء وكالمطر يسقي ما يحب وما لا يحب أي أن خيره واصل إلى الجميع.


العارف بالله لا يأسف على فائت ولا يفرح بما هو آت؛ لأنه ينظر إلى الأشياء بالفناء والزوال لأنها في الحقيقة كالظلال والخيال.

العارف بالله صابر محتسب راض بقضاء الله فبذلك يحلو مذاق المر عنده، لما رضي بالقدر مع علمه بالمصلحة بعد يقينه بالحكمة وثقته بحسن التدبير، قال تعالى: "وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ".


العارف بالله تضيق عليه الدنيا بسعتها حيث إنه يضيق عليه كل مكان لا يجد فيه مطلوبه (هو ذكر الله) وهذه في بداية المعرفة. أما من عرف الله فقد اتسع عليه كل ضيق؛ لأنه ليس في قلبه ساكن إلا الله، أي هانت عليه الدنيا بما فيها وبمن فيها إلا فيما يرضي الله، لأنه ليس في قلبه إلا الله، بل حتى الابتلاء قد يجد فيه السعادة لأنه يقربه من الله.

 


العارف بالله صاحب قلب شفيف يرى بنور الطاعة، وتصفو نفسه بالحب والصفح والعفو، وتخلو من الضغائن والأحقاد والكبر والاستعلاء، والغيبة والنميمة والكراهية.. العارف بالله لا يعرف سواه!

الجريدة الرسمية