الاستيراد الاستفزازي والحلول الواجبة!
فى حديثه المهم عقب افتتاح محطة بشتيل الجديدة علق الرئيس عبد الفتاح السيسي على قائمة أكبر المنتجات التي تم استيرادها منذ عام 2014 وحتى عام 2023، قائلًا: «عند النظر إلى البند رقم 16 في الجدول المعروض أمامكم يتبين استيراد عطور ومزيلات عرق وماء تواليت، بـ440 مليون دولار»..
ومنذ أيام وجه البنك المركزى المصرى البنوك العاملة بالسوق بمنع تدبير العملة الأجنبية لعمليات استيراد السلع الترفيهية -13 سلعة-، وتضم القائمة المحظور استيرادها: السيارات كاملة الصنع، والموبايلات وكمالياتها، ونباتات وبذورًا غذائية، الفواكه الطازجة، كاكاو، المجوهرات واللؤلؤ، تليفزيونات وأجهزة كهربائية، الملابس الجاهزة، ولعب الأطفال، إطارات مستعملة وأى شىء مستعمل، المفروشات والأثاث، المعدات الثقيلة من لوادر، وبلدوزرات، وأوناش.
المدهش أن البنك المركزى سبق له أن أرسل هذه القائمة من السلع فى مارس 2022 تزامنا مع قرار العمل بالاعتمادات المستندية فقط لعمليات الاستيراد.. والسؤال: من يملك المنع والمنح في مسألة تدبير العملات الأجنبية اللازمة للتصدير.. وهل يمكن لأي مستورد تدبير أي دولارات من تلقاء نفسه لجلب أي بضائع مستوردة خارج الجهاز المصرفي، اللهم إلا إذا كان تهريبًا وتسريبًا؟!
باختصار الحكومة هي من تملك المنع والمنح؛ وإذا كانت تلك الحكومة قد اتخذت قبل شهور قرارًا حاسمًا بوقف أي مشروعات بها مكون دولاري ترشيدًا للاحتياطي النقدي فالأحري بها أن تمنع السفه الاستيرادي من المنبع..
خصوصًا أنه لا يصدر عن طبقات كادحة أو لصالح السواد الأعظم من الشعب، بل إنه سلوك استفزازي يصدر عن بعض الأغنياء الذين لا يراعون الله في هذا الوطن، المكدود اقتصاديًا والمدين بقروض وأقساط وفوائد غير مسبوقة، وحكومة لم تتنبه لهذا السلوك السفيه حتى تفاقمت الفاتورة وباتت شيئًا يضاعف الأزمة ويزيد الأعباء جسامةً..
ثم أليست البنوك مطالبة بالحصول على موافقة مسبقة من المركزى على طلبات استيراد السلع غير الأساسية، والتى غالبا لا يتم الموافقة عليها فى ظل محدودية توافر العملة الأجنبية داخل البنوك فكيف حدثت هذه الفجوة..وأين كان المركزي حين وقعت هذه الفجوة؟!
الإعلام الغربي والمؤسسات المالية الدولية بدأت تسلط الضوء وبكثافة على أزمة الاقتصاد المصري في الفترة الأخيرة.
فإذا كان هناك ما يشبه الإجماع، بين المؤسسات الاقتصادية ومؤسسات التصنيف الائتمانية الدولية؛ على وجود أزمة اقتصادية ومالية في مصر من أبرز ملامحها زيادة الدين الخارجي بما يزيد على 100 مليار دولار في السنوات الثمانية الماضية ليتجاوز الرقم حاليا 150 مليار دولار، وزيادات قياسية في الأسعار..
وعودة الضغوط إلى الجنيه والاحتياطي النقدي، والتوسع في سياسة الجباية والضرائب والرسوم رغم الظروف الصعبة التي يمر بها المواطن، وتفاقم الدين العام وزيادة عجز الموازنة العامة وتراجع إيرادات قطاعات حيوية مثل السياحة.
وأتفق مع الرأي القائل إنه لابد من معالجة هذه الأزمة المزمنة وبسرعة، وبداية الحل هو التوقف عن سياسة النكران وخداع الناس والاعتراف فورا بوجود أزمة كبيرة، والعمل على حلها ووضع خطة طوارئ اقتصادية- وليس اقتصاد حرب كما تقول الحكومة- فالمواطن لا يمكنه أن يتحمل مزيدًا من الضغوط بل لابد من لجم الاستيراد السفهي، وترشيد أو التوقف عن القروض الخارجية إلا لأغراض تمويل مشروعات قادرة على توليد الأجنبي.
الحل الفوري في رأيي ينبغي أن يبدأ بوضع قيود شديدة على عملية الاستيراد، وزيادة الإيرادات الدولارية خاصة من الصادرات، وتشجيع العاملين في الخارج على زيادة تحويلاتهم إلى الداخل وطمأنتهم على أموالهم، وترشيد الإنفاق الحكومي.
وتجميد المشروعات غير العاجلة التي لا تهم المواطن ولا تمثل قيمة مضافة للاقتصاد.. التعجيل بالإصلاح أكثر من ضرورة بل هو فريضة الوقت فلم نعد نملك رفاهية التأخير أو التسويف!
ويبقي السؤال.. أين حكومة مدبولي من كل ذلك؟ افتحوا مجال تصنيع معظم أو بعض ما نستورده من الخارج.. الحلول كثيرة وفي أيدي الحكومة.