رئيس التحرير
عصام كامل

أين إعلامنا وصحافتنا من روح أكتوبر؟! (1)

 هل تعلمنا من دروس أكتوبر.. والأهم هل احتفظنا بروح أكتوبر وعزيمة أكتوبر وإرادة النصر وتحدى المستحيل.. وهل لا يزال إعلامنا وصحافتنا وأعمالنا الدرامية قادرة على لعب الدور ذاته؛ كرأس حربة في أي معركة ضد اليأس والإحباط والتحديات الجيوسياسية التي تحدق بنا من كل جانب؟!


هذه الأسئلة تطرح نفسها ونحن نحتفل هذه الأيام بالذكرى الحادية والخمسين لانتصارات أكتوبر المجيدة التي تحمل معها رائحة المجد والشرف، وتعيد تنشيط الذاكرة الجمعية بما كنا فيه من تحديات وآلام وانكسارات.. 

 

وكيف استطاع المصريون التفوق حتى على أنفسهم قبل أن ينتصروا على عدوهم المتغطرس وأعوانه الذين أمدوه ولا يزالون بالسلاح والعتاد والمعلومات الاستخباراتية التي أمدت في عمر المعركة الكبرى التي كاد المصريون يحسمونها في ست ساعات فقط، أفقدوا خلالها عدوهم توازنه وعلموه درسًا أحسبه لن ينساه أبدًا، بعد أن صار لمصر درع وسيف ورجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.


أما دروس النصر.. فهى كثيرة.. لكن أهمها في رأيي أن الحق لا يضيع بالتقادم.. وأن عزيمة المصري لا يفت في عضدها الحديد متى آمن بحقه وتهيأت الظروف لاسترداده، وأنه لا تنقصنا القوة ولا القدرة على مسايرة أحدث مستجدات العصر، وأن المصريين قادرون على تطوير قدراتهم بسرعة مذهلة في أحلك ساعات الشدة وأكثرها إظلامًا.. 

 

والسؤال: هل لا تزال روح أكتوبر حاضرة في نفوسنا.. وهل تعرف أجيالنا الجديدة مدى عظمة تلك الروح.. والأهم هل لا تزال صحافتنا وإعلامنا وقوانا الناعمة من ثقافة وفن ورياضة قادرة على لعب الدور ذاته في مواجهة تحديات هي اليوم أشد وأعتى مما كانت عليه قبيل حرب أكتوبر 73؟!


ثمة من يرى أن روح أكتوبر انسحبت من حياتنا شيئًا فشيئًا حتى صار حال إعلامنا وصحافتنا على غير ما كانا عليه أيامها.. فقد لعبا دورا استباقيًا بالتمويه والخداع الاستراتيجي الذي رسمته القيادة السياسية قبيل الحرب لتضليل العدو، فخاطبت الجبهة الداخلية بلغة والعالم الخارجي بلغة مغايرة..

 

وهو ما خلق جوًا من التكتم والتعتيم انطلى على أعتى أجهزة المخابرات العالمية وقتها، فضلًا على الموساد الإسرائيلي حتى تكونت لديهم قناعة راسخة بأن مصر لن تحارب أبدًا، وهو ما مهد الطريق أمام قواتنا لصياغة ملحمة قتالية صنعت انتصارات هي معجزة بكل مقاييس العلوم العسكرية، وتوقف أمامها الخبراء بالإعجاب والفحص والدرس واستخلاص الفوائد.


إعلامنا وصحافتنا كانا في طليعة معركة أكتوبر 73؛ تشد من أزر الرجال، وتسجل كأحسن ما يكون تفاصيل المعارك على الأرض ومشاهد البطولة لحظة بلحظة ليعلم أهل مصر والعالم أجمع كيف ضحى الرجال وكيف تفوقوا وكتبوا بدمائهم الزكية أروع قصص البطولة والوطنية والفداء.


كان شعبنا وجيشنا وشرطتنا وقيادتنا مضرب الأمثال في الشجاعة والحكمة والصمود والجرأة والتحمل والإخلاص وحب الأوطان والكفاءة وعبقرية التخطيط ودقة التنفيذ بروح قتالية لا مثيل لها.. ولمَ لا والكل كان على قلب رجل واحد، والجبهة الداخلية موحدة ليس فيها خائن ولا متخاذل ولا مثبط.. 

ليس فيها تاجر جشع يستحل قوت الفقراء فيغالي في الأسعار أو يخفى السلع احتكارًا وتعطيشًا للسوق مستغلًا للأزمات كما يحدث الآن بكل أسف.. ولم يكن هناك طبيب يغالي في فيزيتا الكشف، ولا مدرس يتعيش من الدروس الخصوصية بأرقام لا طاقة لأولياء الأمور بها..

 

كان إعلامنا على أعلى مستوى من المهنية والكفاءة والاستنارة والوطنية، فنال احترام الجمهور وحفر مصداقيته بأحرف من نور في الذاكرة القومية، التي لا تكاد تعثر فيها اليوم على شيء يسر في إعلامنا وصحافتنا اللذين ساءت أحوالهما، وفقدا عرشهما وتدهورت مصداقيتهما لدرجة محزنة..

 

 

والسؤال: لماذا انتكس الإعلام وتراجع بعد عز ومجد كانا موضع فخر واعتزاز أيام أكتوبر 73.. ولماذا انسحبت منه روح أكتوبر فلم نجد له دورًا مماثلًا في حرب الدولة ضد الإرهاب والفساد والإهمال ومشكلة الزيادة السكانية، وحتى في تحصين الوعي بما يدور من حروب وصراعات على حدودنا..
وللموضوع بقية!

الجريدة الرسمية