رئيس التحرير
عصام كامل

أين إعلامنا وصحافتنا من روح أكتوبر؟! (2)

في ذكرى انتصارات أكتوبر تثور أسئلة مهمة: ألسنا اليوم نعيش ظروفًا مشابهة لما كنا فيه قبل نصف قرن غداة العبور العظيم؛ أليست الدولة مضطرة لخوض حرب ضروس ضد الشائعات وأهل الشر والإرهاب وأخطبوط الفساد والإهمال والسلوكيات الخاطئة اجتماعيًا كالتواكل والخرافة والواسطة والمحسوبية وغيرها؟!

 

ألسنا نعاني ظروفًا اقتصادية مؤلمة فرضتها تداعيات أحداث يناير 2011، وجائحة كورونا والحرب الأوكرانية وحرب غزة ولبنان، وما تبعها من تداعيات اقتصادية صعبة وعوامل أخرى كثيرة.. فلماذا تخلى إعلامنا عن روح أكتوبر المقاتلة المساندة للوطن الداعمة للدولة تكريس وعي حقيقى في مواجهة وعى زائف أو هش؟!


إن ما يعيشه بلدنا اليوم من تحديات جسام يجعل معركته أشد خطرًا مما واجهناه صبيحة نكسة يونيو 1967؛ الأمر الذي يجعل الحاجة ماسة لدور فعال للصحافة والإعلام في معركة أساسها الفكر والوعي، ورأس الحربة فيها الإعلام والصحافة والرأي العام وتوجيه العقول.


وتتعاظم الصعوبات والتحديات الاقتصادية والجيوسياسية لمنطقة تكاد تتفجر بحروب إقليمية وربما عالمية وشيكة، فضلًا على ما تعانيه الصحافة الورقية من ظروف وتحديات ومخاوف تهدد وجودها؛ فثمة مصاعب اقتصادية عاصفة بعد موجات التضخم المتتالية وتعويم الجنيه وما تبعه من غلاء مستمر لمستلزمات الطباعة والتشغيل..  

 

ناهيك عما تلاقيه الصحافة المطبوعة من منافسة شرسة وغير متكافئة من الفضائيات والسوشيال ميديا والمواقع الإلكترونية، وتراجع الأوضاع المهنية والأخلاقية والإدارية والمالية التي شهدتها سنوات ما بعد يناير 2011..

 

هنا ندرك عمق المأساة وقسوة ما تعيشه الصحافة كلها قومية وخاصة هذا الأيام.. وربما يفسر لنا ذلك سر المعاناة والتراجع الذي يعيشه إعلامنا عامة والصحافة تحديدًا، وعجزه عن التعامل الرشيد مع مجريات الأحداث والتطورات الهائلة التي تعيشها منطقتنا والعالم أجمع..

 

فلا صحافتنا وإعلامنا واكب ما يجري على المسرح الدولي من ترتيبات وصراعات ما بعد عواصف الربيع العربي.. وكيف صارت الدول العربية نهبًا وساحة لصراع القوى الدولية؟ وكيف يجري تهيئة المجال لتقسيم دولنا وتفتيت وحدة شعوبها لصالح أطراف بعينها؟!

 

ولا واكب إعلامنا وصحافتنا نبض الشارع وهموم المواطن وشواغله اليومية بصورة ترضى المواطن وتجعله حريصًا على دعم الصحافة والإعلام؟ ولا نجح في رسم صورة استشرافية للمستقبل وسيناريوهاته ليأخذ بأيدي الناس إلى الطريق الصحيح؟ ولا هو ناصر الدولة وشد من أزرها في معاركها الكثيرة مع الإرهاب والفقر والأمية والتخلف والبيروقراطية والفساد والإهمال؟ 

بل تخلى عن مهنيته وموضوعيته وفرط في مصداقيته حين استسلم للمعوقات والصعوبات.. وتخلى عن الاحترافية والتطوير والموضوعية والحياد في تناول القضايا العامة وتغطية الأحداث المتعاظمة هنا وهناك ولم يقدم إجابة لما يدور من أسئلة في عقل المواطن وخاطره.


وكان طبيعيًا وسط كل هذا التناقض والتحولات البهلوانية وتبدل المواقف والتلون من جانب بعض الصحفيين والإعلاميين الذين يتخذون من الإعلام والصحافة مطية لأغراض سياسية أو مصالح خاصة، فانتقل بعضهم من النقيض للنقيض حتى تاه الإعلام ومعه المواطن، الذي لم يجد من يرشده لجادة الحق والصواب..

 

والأدهى أن بعض هؤلاء الآكلين على كل الموائد تقمصوا شخصية الثائر فاستباحوا كل رمز وتطاولوا على كل قيمة، وخاضوا في تشويه السمعة ونهش الخصوصيات واغتيال البراءة وتصفية الحسابات.. مما ألحق بالإعلام أبلغ الضرر وصرف عنه جمهوره وأفقده المصداقية والاعتبار حتى خسر رصيده وبات على خطر عظيم.


كثيرة هى المتغيرات التي ضربت صناعة الإعلام الصحافة العريقة وأنزلتها عن عرشها فلم تعد صاحبة الجلالة، مثلًا، ذات بريق وتأثير أخاذ يعمل لها الكل ألف حساب، حيث تدهورت المهنية وتردت الأخلاق وتهاوت الأحوال المالية والإدارية للصحفيين تحت وطأة الغلاء الفاحش وسعار الدولار.. 

الذي ألهب ظهور المؤسسات الصحفية التي تستورد مستلزمات الطباعة من الخارج بأسعار فلكية، فيخرج المطبوع خاسرًا مهما بلغت أرقام توزيعه التي لا تغطي تكلفة الإنتاج، فما بالنا بتحقيق هامش ربح وهذا هو المتغير الأخطر الذي بات سيفًا مصلتًا على رقاب الصحف جميعا بلا استثناء.. 

 

ناهيك عن ضعف المحتوى وتهافته وخلوه من عوامل الجذب والتشويق وتدني أحوال الصحفيين المادية والمهنية، في ظل غياب تواصل الأجيال وتداول الخبرات بينها وغياب النموذج القدوة أو النموذج المعلم الذي يقدر على صناعة النجوم واكتشاف العناصر الفذة ودفعها لمواقع الصدارة..

 

فضلا على غياب الدور الفاعل للنقابة أو من يقوم على شئون الصحف من هيئات مستحدثة لا نجد التدريب والنهوض بالمهنة بندًا بارزًا على أجندتها أو ضمن أولوياتها القصوى.. أضف إلى ذلك دخول أعداد غفيرة إلى بلاط صاحبة الجلالة.. 

في غياب أي رقابة حقيقية تحت ستار أصحاب النفوذ أو مجاملة لسلسلة الأقارب وشبكة العلاقات، التي لا تحتاج لجهد يذكر للتعرف على تشابكاتها وامتداداتها في كل مؤسسة، بل في كل إصدار صحفي لاسيما داخل الصحف القومية التي لم تكن في حاجة أصلا لكل هذه الجحافل.

 


وجاءت الفضائيات ومواقع الإنترنت لتجهز على ما بقي من نفوذ للصحف الورقية في سوق الإعلانات، ولتلتهم الشطر الأعظم من كعكتها حتى استحوذت عليها وحرمت الصحف من أهم مقومات وجودها.. والسؤال: هل نحن قادرون على صنع عبور جديد بإعلامنا وصحافتنا على غرار العبور العظيم في أكتوبر المجيد؟!                                                                        وللإجابة مقال آخر.

الجريدة الرسمية