رئيس التحرير
عصام كامل

صرخة من محب لبلده!

السوشيال ميديا شأنها شأن كل نشاط بشري فيها السمين وفيها الغث، فيها النافع والضار، التافه والعظيم.. صحيح أن كثيرا من أساء استخدامها وأساء توظيف التكنولوجيا بنمط استهلاكي استفزازي.. 

يبدأ باستيراد أجهزة المحمول بأرقام تتناقض مع ما يعيش السواد الأعظم من شعبنا من شظف العيش وصعوبات الغلاء والتضخم.. لكنها أرقام تقرؤها حكوماتنا بطريقة شبه مقلوبة تدفعها لاستناج خاطئ،  أن هذه هي سلوكيات الناس الذين يدعون الفقر ويشكون منه مر الشكوى..

 
أعود للسوشيال ميديا وتحديدا إلى صفحة الدكتور أسامة شوقى المتخصص في  جراحة المناظير والذي نقلت بعض ما قاله بتصرف..
لا أستطيع وصف إحساسي بخيبة الأمل حين أرى مصريين يندهشون أن المملكة السعودية تحاول سحب السجادة من مصر في مجال الفن.. وزعلانين من استقطاب الفنانين المصريين الذين يقدمون أفلاما وحفلات لأجل عيون البلد الشقيق لكنى -والكلام لشوقي- مصدوم وحزين لما اكتشفته من فارق أعمق وأكبر.. 

 

فقد عدت للتو من المملكة بعد دعوة لإجراء تدريب للزملاء الأطباء هناك، في مجال عملي الذي يستلزم تقنيات ومعدات جراحية حديثة جدا بتكنولوجيا فائقة التطور.. ولا تملك بلاد كتير سر هذه الصنعة.. فقط ألمانيا هي المشهورة بذلك ويمكن أمريكا تنافسها علي استحياء..
 

كانت المفاجآة عندما وجدت لديهم معدات جراحة المناظير تصنعها المملكة السعودية، تصنعها  بصورة كاملة وليس مجرد تجميع أو استيراد!


عقدت الدهشة لساني حينما وجدت الخيوط الجراحية من صنع السعودية ليس تقليلا منها بل إكبارا لما وصلت إليه المملكة، وحسرة على تفريطنا في فرص التطور منذ عقود.. متخيل يعني إيه خيوط ڤيكريل وخلافه تصنيع دولة عربية!


بيصنعوا معدات وأجهزة جراحات متطورة جدا والمنتج مكتوب عليه "صنع في السعودية".. أنا هنا أتكلم عن تصنيع تقنية عالية جدا.. مش تصنيع عبوات شيبسي ولا صابون غسيل! والأدهي إنهم تفوقوا في صناعة الدواء والمواد المتطورة مثل الچيل السائل لمنع الالتصاقات بعد الجراحة، وهو منتج ذو تقنية عالية وغالية جدا، ولذا يصنعونه ويوفرونه لبلدهم بسعر رخيص، وطبعا دون أن يضيعوا عملة أجنبية في الإستيراد..


قس علي ذلك أشياء كثيرة أخري مثل تصنيع سيارة كهربائية ومعدات إلكترونية! متخيل يعني إيه السعودية اللي مفروض معندهاش مشكلة في الدولار لكنها تجتهد لتوفير عملة أجنبية وتقوم بتصنيع كل منتجاتها بل تفكر أيضا في التصدير وجلب العملات الصعبة؟!

 

يصيبك الذهول حين تدخل المولات والسوبر ماركت عندهم.. فتجد كميات هائلة من المنتجات الاستهلاكية وعليها علامة (صنع في السعودية).. بداية من الجبنة واللانشون وفرشة الأسنان، وصولا لمعدات إلكترونية ذات تقنية فائقة التطور.. والأهم والمذهل معدات جراحية متطورة جدا وذات تقنية عالية جدا!


ما آلمني أننى لم أستطع تحقيق حلم حياتي بجعل بلدي مركزا عالميا لجراحات الرحم وتدريب أطباء العالم هنا في بلدي.. تحطم حلمي علي صخرة الواقع هنا.. بينما صارت أفكاري حقيقة واقعة وناجحة جدا في بلاد أخري.. وأصبح التسويق للتدريب في دول الخليج علي إسم طبيب مصري بينما لم يبق لي هنا إلا الذكري وربما غياهب النسيان.


أعود للتأكيد أن التصنيع في المملكة السعودية كامل من الألف إلي الياء وليس مجرد تجميع وتغليف وتعليب!


أعلم يقينا، والكلام للدكتور أسامة شوقي، أن القائمين علي الأمر في بلدي يتسمون فعلا بالوطنية والصدق وحب البلد.. فلدينا قيادة قوية ومخلصة.. هيا ننسي الخلافات اللي بينا.. ونبص لقدام ونجري نرمح للأمام.. 
 

ما أثار حفيظتى  أمران، أولهما خبر معلن عن مصروفات بالمليارات لاستيراد مستحضرات تجميل وشيكولانة وسلع استهلاكية هايفة.. وثانيهما أن المجتمع المصري غايب ومُغيب وفاكر إن المنافسة الحضارية مع السعودية تنحصر في كرة القدم واستقطاب الفنانين.. أفيقوا يرحمكم الله.


أتوسل إليكم.. دعونا ننهض بأنفسنا وببلدنا ونلتفت لحالنا وبلاش بقي خناق في هيافات وضياع وقت. السباق الحضاري ماض بأقصي سرعة.. ولست أتكلم  فقط عن السعودية.. بل المغرب الذي تربع علي قمه تصدير السيارات، والأردن الذي ينافس أمريكا في صناعة الدواء، ودبي التي تفوقت في السياحة، وتونس التي حازت رضاء السياح بصورة تفوق التصور.


ثم يتساءل الدكتور أسامة شوقي: هل ستكتفون بمصمصة الشفايف وندب حظنا.. هل سنظل نلوم الظروف ونلوم النظام ونلوم الإدارة؟ خايف كل واحد فينا ينشغل بأكل عيشه ونعيش في صورة ضيقة ولا نري الصورة الأكبر التي توضح مدي الانهيار والتدهور.. كلامي هو صرخة من واحد بيعشق البلد دي وبيعشق أهلها بكل ما فيها وفيهم من سلبيات..

 


صرخة ممكن تكبر وتتضخم زي صدي الصوت ينتشر وينتشر ويستمر ويصل للأفئدة والعقول ويشعل شرارة التغيير ونصحي من الغفلة ونستفيق من السبات.. أو صرخة تذوي وتموت ولكن وقتها لن تكون علقة تفوت ولا حد يموت..
أتمنى أن تصل صرخة الدكتور أسامة شوقي لمن يهمه الأمر، ولكل قادر على صنع الفارق في مصر.

الجريدة الرسمية