رئيس التحرير
عصام كامل

هل ظلمنا المرأة؟! (2)

هل ظلمت مجتمعاتنا المرأة.. حتى جاءت حضارة الغرب لتنصفها؟! فأين كانت حضارة الغرب حين جاءت الرسالة المحمدية لتعصم المرأة بسياج فولاذي من الحماية والتكريم.. فجعلت النساء شقائق الرجال، وجعلت للمرأة ذمة مالية مستقلة، وساوت بينها وبين الرجال في أعز ما يخص البشر وهو التكليف.. فنزل الخطاب السماوي في القرآن ليقرن بين الجنسين في سياق واحد؟!


فما الذي حدث.. ومن أين نبتت دعاوى أن ثقافتنا تجور على المرأة حتى جاء من يسترد لها كرامتها وينصفها من هذا التعسف والجور؟!
 

ما أجهل الذين يدعون أن للمرأة حقوقا لم تنلها، وما أكثر قبحا ممن يرى أن المرأة ظلمت، فالذين يظلمون النساء حقا هم الذين يجهلون غفلة أو عمدا أن ديننا جعل المرأة تاجا فوق الرؤوس وملكة متوجة، على من يتاجرون بقضايا المرأة ويهرفون بما لا يعرفون ومن يرونها تابعا للرجل لا يملك من أمر نفسه شيئا كلاهما ظلم المرأة عن جهل وغباء.. 

 

فضرب الزوجات ليس أمرا مطلقا يأتيه الزوج متى شاء بلا ضوابط  ولا أسباب معقولة، ومثل هذا السلوك الذكوري الطائش ردت عليه دار الإفتاء سريعًا بصورة حاسمة؛ بأن الرجال الحقيقيين لا يضربون النساء.. 

 

وعلى النقيض من ذلك دعوة البعض لضرورة تقاضي الزوجة أجرًا نظير عملها في منزل الزوجية وضرورة استئجار خادمة أو مقابل إرضاع صغيرها.. لقد تعددت أوجه الشطط والانفلات والتطاول وإغراق المجتمع في جدل سفيه يهدم كيان أهم مؤسسات المجتمع، وهي الأسرة، وهو ما لا يخدم إلا أعداء الدين والوطن والمواطن ويفتح الطريق أمام تشويه وتشتيت فكر الجيل الجديد.
 

وإذا كانت المرأة هي مفتاح البناء فهي كذلك مفتاح الهدم وأوسع أبوابه، ومن ثم وجب التعامل معها باحترام وتقدير بحسبانها الأم والأخت والزوجة؛ فمن منا جاء للعالم دون أم حملته في أحشائها تسعة أشهر.. كفى بالمرأة علوًا أنك ترى أثرها شاخصًا في كل شيء فهى صوت ضمير.. 

 

إن علاقة المرأة  بالرجل والمجتمع، بعد حساس تناولته الكتب والروايات وتحليلات كبار الكتاب والأدباء والمفكرين في مصر والعالم؛ ذلك أن أشهر الشخصيات وأبرزها في الاقتصاد والسياسة والأدب والاجتماع تأثروا بالمرأة بصورة مباشرة وكتبوا في مذكراتهم مسارات علاقتهم بالمرأة، وكيف أسهمت في حياتهم ومبلغ هذا الإسهام وكيف كانت عنصر دعم قويًا أو معول هدم وتراجع لا يمكن إغفاله بحال من الأحوال.


للمرأة دور مهم ومشهود في حياة الرجل لا يمكن إنكاره فهي حاضنته الأولى، وسبب وجوده في الحياة  تعهدته بالرعاية صغيرًا حتى اكتمل تكوينه وصار قادرًا على التعامل مع الحياة، معتمدًا على نفسه. وهى ركيزة الأسرة وأساس نجاحها، أو إخفاقها ولا يقف دورها عند ذلك الحد بل لعبت دورًا مهمًا في بناء الحضارات وصناعة التاريخ الإنساني الحافل بالأحداث والتحولات الكبرى..

 

وكم من نساء باهرات لعبن دور البطولة في صنع الأحداث ومواجهة الأزمات، وكن مصدر إلهام ودعم كبيرين للرجل، ويتعاظم دورها في مجتمعاتنا حين نعلم أن أكثر من ثلث الأسر المصرية تعيلها نساء يتحملن ما لا طاقة لبشر به.


وحتى لو كانت المرأة زوجة يكفلها زوجها فإنها تتحمل عبء تدبير شئون بيته بوصفها وزيرة مالية الأسرة التي يعولها رجال أو بوصفها المرأة المعيلة التي تكيفت ببراعة مع ظروف مادية معقدة ضاعف صعوبتها ما  فرضته الظروف الاقتصادية من غلاء وصعوبات في المعيشة.


المرأة جندى مجهول في كل المعارك، فهي مدرسة إن أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق كما يقول الشاعر.. وهي الجامعة وهي كل شيء في حياة أبنائها ودورها الوطني راسخ لا غبار عليه، وهي التي امتثلت لأمر ربها وحملت روحه في أحشائها ليأتي المسيح عليه السلام رسول الله وكلمته التى ألقاها إلى مريم التي اصطفاها على نساء العالمين.

 

أما ما يدهش حقًا فهو ما توصلت إليه أحدث الدراسات من أن المرأة ذلك الكائن الرقيق المشهور بضعفه هي أكثر قوة وقدرة على التحمل من الرجل، لكن هل كل النساء في زمن السوشيال ميديا أمهات صالحات قادرات على تربية أجيال تصلح لقيادة المستقبل، أم أن كثيرات تشاغلن بلهو الحديث على مواقع التواصل ولا يجدن وقتا لا لرعاية الاولاد ولا الأزواج حتى تهاوت قيم تربوية واجتماعية وأخلاقية عظيمة في مجتمعاتنا ندفع ثمنها غاليا؟!

 


فمن الذي ظلم المرأة.. أليس الذين يحاولون الفصل بين الجنسين بدعاوى زائفة هم الذين يكرسون للانقسام المجتمعي، واختلقوا لهذا معارك وهمية شغلوا الناس بها وللأسف يجدون من يصدقهم ويؤمن بما يدعون رغم تهافته؟!

الجريدة الرسمية