رئيس التحرير
عصام كامل

راقب الصبح

في إحدى الليالي الحالكة، جلس يوسف على شاطئ البحر وهو يغرق في همومه، يتأمل الأفق المظلم. كان يحمل قلبًا مثقلًا بالأحزان وأحلامًا خابت، وشعورًا بالعجز يغمره. فقد مرت أيامه في انتظار عون لم يأتِ بعد، ورجاء لم يُثمر.

 

اقترب منه شيخٌ مسن، يملأ وجهه هدوء وسكينة، وجلس بجواره. نظر إلى يوسف وقال: "أراك تنتظر شيئًا يا بني، كأنك تراقب الصبح في قلب الليل". رد يوسف بتنهيدة عميقة: "أنتظر نورًا يبدد ظلام نفسي، ورجاءً يملأ قلبي الخاوي. لكنني أشعر أنني في انتظار لا نهاية له، وكأن الصبح لا يأتي".

 

إبتسم الشيخ بحكمة وقال: "أتذكر ما قاله المزمور؟ 'نَفْسِي تَنْتَظِرُ الرَّبَّ أَكْثَرَ مِنَ الْمُرَاقِبِينَ الصُّبْحَ'. المراقبون في الليل يعلمون أن الصبح سيأتي، وإن تأخر، فقلوبهم تمتلئ بالأمل والثقة. فكيف بك يا بني، وأنت تنتظر إلهًا لا يخذل من ينتظرون رحمته؟"

 

تأمل يوسف كلمات الشيخ وقال: "ولكن ماذا أفعل بهذا الانتظار؟ أشعر أنه لا نهاية لظلامي". أجابه الشيخ: "الانتظار مع الرب ليس عبئًا بل هو ثقة تُبنى في قلبك. تذكر أن الله يرى تعبك، ويُحضر الصبح الذي تبحث عنه. لا تنتظر بصبر فقط، بل انتظر برجاء واثق. فهو يأتِ بالوقت المناسب، حتى وإن بدت الليالي طويلة".

 

عاد يوسف إلى بيته تلك الليلة بروحٍ مختلفة، وفي قلبه أملٌ جديد. بدأ يُصلي ويقترب من الله، ينتظره بثقة، وشيئًا فشيئًا، شعر بنور داخلي يملأ روحه، نورٍ لا يعتمد على شروق الشمس، بل على حضور الله في قلبه.

 

وهكذا، تعلم يوسف أن الانتظار هو رحلة إيمان بحد ذاتها، رحلة تعلمه أن الرجاء بالله أعمق من أي ظلام، وأقوى من أي فجر قد يتأخر.

 

عندما نجد أنفسنا في أوقاتٍ حالكة، نشعر باليأس، ونتساءل لماذا يتأخر النور، ننسى أن الانتظار بحد ذاته هو جزء من إيماننا ورجائنا في الله. كما يراقب الحراس بزوغ الفجر، وينتظرون الصبح بثقة، علينا أن ننتظر الله بروح واثقة، لأن الصبح لا يُخلف موعده، وإن طال ظلام الليل.

 

الله يرى قلوبنا المتعبة، ويعرف أشواقنا، فهو لا ينسى الذين يتكلون عليه. الانتظار ليس مجرد مرور الوقت، بل هو تدريب لقلوبنا لنكون أكثر صبرًا وإيمانًا. فالرب يهيئنا في أوقات الانتظار، ويعدّ لنا ما هو أفضل، حتى نكون مستعدين للنور الذي سيشرق في حياتنا بالوقت الذي يراه مناسبًا.

 

 

عندما تجد نفسك تنتظر الفرج، لا تدع قلبك ينكسر في صمت. انتظر الله برجاء وسجود. إسجد وصلي وثق بأن الصبح قادم، والنور سيشرق مهما طال الليل. فالله قريب، ولا يترك محبيه أبدًا في الظلام.
للمتابعة على قناة التليجرام: @paulawagih

الجريدة الرسمية