رئيس التحرير
عصام كامل

سلام يوسف

كان يوسف رجلًا بسيطًا يعمل نجارًا في ورشته الصغيرة بأطراف المدينة. عاش مع زوجته وطفليه، وقد كان معروفًا بطيب قلبه وتواضعه، إلا أن الحياة لم تكن سهلة. تفاجأ ذات يوم بمرض ابنته الكبرى، سلمى، حيث كانت تعاني من آلام شديدة في صدرها، مما استدعى نقلها إلى المستشفى لعدة أسابيع.

 

أصبح قلب يوسف مضطربًا، إذ راح يفكر في كيفية علاج ابنته، وكيفية تدبير المصاريف المتزايدة للمرض. لم يكن سهلًا عليه أن يرى طفلته تعاني، ولم يكن سهلًا عليه أن يشعر بالعجز أمام حالتها. كان يستيقظ في الليل باكيًا، متسائلًا: "يا رب، أين سلامك في هذا الألم؟"

 

وفي إحدى الليالي المليئة بالقلق، وبينما كان يصلي، تذكر آية سمعها في الكنيسة: "سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ." (يوحنا 14: 27).

 

قرأ الآية عدة مرات، وكأن كلماتها تنساب إلى قلبه فتخفف عنه ثقل الهموم. شعر بسكينة عجيبة، وكأن الله يخاطبه قائلًا: "لا تخف، فأنا هنا. سأمنحك سلامًا لا يستطيع العالم أن يعطيه".

 

مع مرور الأيام، شعر يوسف بأن قلبه قد صار أكثر اطمئنانًا، فاستطاع أن يقف بثبات إلى جانب ابنته، يساندها في العلاج ويدعمها بالأمل. لم يَعُد خائفًا مما يخبئه الغد، إذ أصبح واثقًا أن الله يحمل عنه ثقل الأيام.

 

بعد أشهر من العلاج، بدأت سلمى تتحسن شيئًا فشيئًا. كانت ابتسامتها العذبة تعود لتضيء حياتهم من جديد، وبدأت يوسف يشكر الله في كل صلاة، قائلًا: "يا رب، شكرًا على سلامك الذي لا مثيل له".

 

كان يعلم أن السلام الذي اختبره ليس مجرد غياب للآلام أو القلق، بل هو سلام نابع من الروح، سلام يغمر القلب حتى في أحلك الظروف. أدرك أن الله منح قلبه راحة وسط العواصف، طمأنينة لا تعتمد على تحسّن الأوضاع، بل على الإيمان العميق بوجوده إلى جانبه.

 

وهكذا، عاش يوسف مع أسرته، ممتنًا لله على سلامه السماوي، وعلى وعده الذي لا يُخيب. أصبح يقول لكل من يقابله ويعاني من ضيق: "ابحث عن سلام الله، فهو السلام الذي لا يفنى ولا يتبدد. هو سلام يبقى عندما يرحل كل شيء، سلام يُسكّن القلوب ويمحو الخوف".

 

بعد أن عاش يوسف تلك التجربة، أدرك أن السلام الذي يعطيه الله هو هدية ثمينة، هدية لا تأتي من زوال المصاعب، بل من الثبات الذي يضعه الله في قلب من يلجأ إليه. تعلم أن السلام الحقيقي لا يعتمد على انتهاء الأزمات، بل على قوة الإيمان وحسن الظن بالله حتى في ظلمة الليل. ذلك السلام، كما اكتشف يوسف، هو وعد دائم لكل مؤمن يلتمس وجه الله.

 

الله لا يعدنا بحياة بلا مشاكل، بل بقلوب تجد طمأنينة وسط الضيق، وأرواح تتغذى من نهر سلامه. ربما يكون العالم مليئًا بالاضطراب، وقد تخيب الأماني وتتلاشى الحلول، لكن الله يظل بجانبنا، يسكب على أرواحنا سلامًا يبقى أبديًا. إنه سلام يتجاوز ما نراه حولنا، ويأخذنا إلى عمق الثقة في الله.

 

 

عزيزي القارئ، عندما تشعر بالضيق أو تتكالب عليك الأزمات، تذكر وعد الله: "سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ".. اطلب من الله أن يملأ قلبك بهذا السلام، سلام ليس كالذي يُعطيه العالم، بل سلام قادر على تبديد الخوف وإزالة القلق. الله بجانبك في كل خطوة، لا تضطرب ولا تخف. اجعل إيمانك به هو سندك وسلامك، وستجد راحة تتخطى حدود الظاهر لتستقر في أعماق نفسك.
للمتابعة على قناة التليجرام: @paulawagih

الجريدة الرسمية