مصر في حرب صامتة!
في الفترة الأخيرة، وحتى الآن، وربما غدا أيضا، تتعرض مصر لموجات مدروسة منتظمة من الشائعات، الواحدة تلو الأخرى، في إعادة إنتاج لأجواء مسمومة لتلك التى عصفت بمصر قبيل مؤامرة الخامس والعشرين من يناير قبل ثلاثة عشر عاما. جاءت بالإخوان والعملاء والخراب.
ورغم أن المصريين يتباكون الآن على ما فعلوه بأنفسهم وببلدهم، إذ جاءوا بالإرهاب والإخوان، وإذ جاءوا بالغلاء، وإذ تبدلت الأحوال، ويستدعون الأيام الخوالي، أيام كرتونة البيض بثلاثين جنيها وأقل، رغم ذلك كله فإن المصريين لايزالون يطعمون الشائعات ويرددونها، في غفلة عن العواقب المريرة المرتقبة.
الشائعة في مجملها معلومة كاذبة، فيها جزء ضئيل من الحقيقة، لتمريرها إلي عقل الشخص أو المواطن المستهدف، وكثيرا ما تكون محض إختلاق كامل، فيه من حسن الرواية والترتيب والمنطق، ما يجعلها طعام الناس في جلسات التباكي اليومية علي أحوالنا المعيشية المتردية..
الهدف من الشائعة هو حبس الشخص، أو البلد، أو نظام البلد رهينة ردود فعل الرأي العام.. من خصائص الرأي العام الخطيرة أنه في غياب المعلومة السريعة القاتلة للشائعة في مهدها أنه يميل بسرعة هائلة للتصديق، خاصة إذا كان الرأي العام يعاني جراحا عميقة من النظام، بسبب الأقوات.
كيف يمكن لعاقل أن يصدق أن مصر الدولة الكبرى العظيمة التى خاضت حروبا متتالية دفاعا عن العرب وفلسطين وأرضها، تتعاون مع إسرائيل عسكريا ضد الفلسطينيين؟ كيف وهي وسيط سلام مأمون وموثوق به؟
الالتباس بشأن سفينة الذخائر والأسلحة نجم عن كاثرين، إسم السفينة، فهى كاثرين ذاهبة لإسرائيل رفضتها المواني علي حوض المتوسط، وهى كاثرين التى جاءت لمصر بشحنة لوزارة الإنتاج الحربي.
أثق في مؤسستنا العسكرية ثقة مطلقة، لا تكذب ولا جربنا عليها كذبا، وبيان المتحدث العسكري قاطع ومانع لأي إلتباس، واثق أيضا في تفسير وزارة النقل من أن الشحنة تخص وزارة الإنتاج الحربي..
التأخير في الرد هو سبب إنتشار جنازات اللطم والعويل والتنديد..
أيضا المرور في قناة السويس لمدمرة عسكرية ترفع علم إسرائيل وبجواره علم مصر، هل يصدق عقل تجاور علم مصر مع العلم الاسرائيلي فوق بارجة حربية؟ من حق أي دولة أن تمر بالقناة دون تمييز، لكن علم مصر ليس علي البارجة جنبا إلي جنب مع علم الدولة الإرهابية..
قناة السويس ممر بحرى حر مفتوح بموجب المادة الأولى ضمن سبعة عشرة مادة ملزمة، بل شديدة الوضوح والتفاصيل في اتفاقية القسطنطينية الموقعة بين مصر، تحت الخلافة العثمانية، والدول الكبرى وقتها، بريطانيا وفرنسا وألمانيا واسبانيا والنمسا والمجر والسلطان العثماني ومندوب مصر عن الخديوي وهولندا وروسيا وإيطاليا، وكان ذلك في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1888.
تسمح الاتفاقية بحق المرور للسفن التجارية والحربية، المرور فقط وتمنع أية أعمال قتالية في الممر الدولي المفتوح، كما تمنع غلقه.
مصر أغلقت خليج العقبة لخنق إسرائيل قبيل هزيمة يونيو1967، وهو ممر دولي لا يجوز غلقه، فمنحت إسرائيل سببا إضافيا لتوجيه ضربة اجهاضية لنا.. وليس من حق مصر ولا من الحكمة منع مرور السفن حربية كانت أو تجارية لأنها خاضعة لإتفاق دولي منذ القرن التاسع عشر.. ولايزال معمولا به وموضع إحترام الدول كافة..
هيئة قناة السويس بادرت لبيان الحقيقة، توضيحا، وبيان حق المرور الأمن لأي سفينة وفقا لالتزامات مصر الدولية.. والصورة الحقيقة للمدمرة الاسرائيلية تخلو من علم مصر.. هو إذن شغل الذئاب المتربصة بنا.
الشائعة هدفها التشكيك في الحكومة، وفي نوايا النظام، في أي بلد، واذا توالت أكاذيب أي حكومة أو تقاعست عن الرد دحضا للأكاذيب، مال الناس إلى تصديق أكاذيب تكذب الحكومة! تلك إذن عندئذ مصيبة كبرى، ذقنا مرارتها قبل ثلاثة عشرة سنة..
إنتبهوا، فإنهم يريدون بث الفرقة والفتنة بين الناس بعضهم بعضا، وكلهم ضد بلدهم، خاب سعيهم باذن الله مع ترجيح العقل ويقظة الحكومة في الإسراع ببيان الحقائق أولا بأول، وهو عبء يستدعي منصبا خطيرا غائبا إسمه وزارة الإعلام.. نحن في حرب صامتة.. حتى الآن.