من المهم أن يجد قبولا من الناس! (2)
هل يمارس إعلامنا دوره كرقيب على أداء الحكومة والبرلمان.. وهل لا يزال قادرًا على تعقب الفساد والمفسدين.. وتناول قضايا الناس والأمة وأحوال المواطن وهمومه وطموحاته بأمانة وحياد؛ بهدف التنبيه لمواطن القصور وسوء الأداء وبناء وعي حضاري بحركة الحياة والتاريخ وأولويات الأمة في خضم الصراعات والحروب وتنازع المصالح؟
وهل يشبع إعلامنا حاجة الجمهور للمعرفة الجادة الرصينة عبر تقديم ما يحتاجه وينفعه ليكتمل به رشده وتهتدي به بصيرته.. وهل يجد الناس أنفسهم في الأعمال الدرامية كوسيلة لتعزيز القيم النبيلة والأخلاق الحميدة؟! ومتى يكون الإعلام والدراما قويًا ومؤثرًا؟!
والجواب: إذا شعر المواطن أن الإعلام يعمل لصالحه، ويتبنى أولوياته مجتمعه وقضاياه الحقيقية في التنمية وسباق التقدم.. ويغوص في همومه ويستشعر آلامه ويشاركه أحلامه وتطلعاته، ويخفف عنه متاعبه، ويضع مطالبه وطموحاته في بؤرة الضوء وبين يدى أصحاب القرار.. بلا تهويل ولا تهوين ولا استسلام لغواية مواقع التنابذ أو الاشتباك الاجتماعي كفيسبوك وتويتر وغيرهما من منصات ومواقع إلكترونية.
الإعلام يؤثر على طريقة تفكير الإنسان وينمي شعوره الوطني ويسهم بدور مشهود في ترسيخ الثقة بمؤسسات الدولة لدى مواطنيها، بشرط أن يؤدي رسالته باحترافية ورؤية موضوعية تحترم عقل الجمهور وتشاركه أولوياته ويمكنه بدرجة ما أن يتبنى سياسات الحكومة -أي حكومة- شريطة أن ينتهج أسلوبًا عقلانيًا وعلميًا يضع بين يديه حقائق وبراهين لا يأتيها التشكيك من بين يديها ولا من خلفها.
الإعلام يمكنه خلق حالة حوار مجتمعي عالمي بتغطية الأحداث التي تقع هنا أو هناك في مختلف بلدان العالم، وقد يخلق نفورًا وغصة في الحلق كما فعل بنا الإعلام الغربي حين ينشر افتراءات وأكاذيب إسرائيل في حربها على غزة ولبنان!
ولست أرى أن من وظيفة الإعلام والدراما تحقيق الربح والمكاسب المادية؛ ومن ثم فإن دعمهما ماديًا ومعنويًا من أهم واجبات الدولة؛ إذ لا يصح ترك تشكيل الرأي العام ووعي الأجيال وانتماءاتها وقناعاته لمعادلة الربح والخسارة..
فالصحافة عمومًا والصحف القومية خصوصًا، وهى من أهم أدوات تشكيل العقل والوجدان؛ تحتاج أكثر من أي وقت مضى، إلى دعم غير محدود للتطوير ومواكبة العصر واستثمار الأصول وتنميتها؛ بشرًا وحجرًا، للعودة لسابق مجدها في الحفاظ على الوعي وصون الرأي العام.
ونفس الأمر ينطبق على ماسبيرو وقنواته التليفزيونية وكوداره في حاجة لدعم مماثل لدفعه على طريق التطوير والتأثير، اتساقًا مع تراثه وأرشيفه الثري والمتنوع والرائد الذي ترك بصمة لا تنسى في أجيال كثيرة في الوطن العربي كله.
وإذا كنا في منطقة تشتعل بنار الحروب التي لا نعرف متى تضع أوزارها ولا ندرى نتائجها وتداعياتها النهائية على الشعوب والدول وموازين القوى الجديدة، وهو ما يجعل حاجتنا لتطوير الإعلام والدراما أهم أولويات الوقت للدولة..
فلا صوت يعلو على تحصين الجبهة الداخلية في وجه العواصف وحروب الشائعات التي لا يكف أعداؤنا عن إشعالها وافتعالها في كل حين، وهو ما يتطلب إعادة تقييم لما يقدم على الشاشات من برامج ومسلسلات، وتخير الوجوه الإعلامية التي يمكنها توصيل رسائل الدولة بصورة صحيحة تحقق الوعي وتحظى بالثقة والتقدير..
وليتنا نستلهم دروس التاريخ وعبره؛ وخصوًصًا تجارب النجاح والنصر التي تهل نسائمها في هذه الأيام التي تذكرنا بأمجاد أكتوبر وانتصارات وتضحياتها التي أراها مادة إعلامية ودرامية خصبة وقوية ومشوقة وجذابة ومؤثرة تصلح للبناء عليها وإنتاج أعمال درامية ووثائقية جديدة تتبنى روح أكتوبر وتستنهض الهمم لدى أجيال جديدة لم تعش لحظات النصر وحلاوته وعظمة التضحيات ومرارتها..
هذه نقطة بداية تستلزم البحث في أرشيف ماسبيرو لإعادة تقديم أعمال درامية ووثائقية وحوارية مع أبطال النصر لم تسبق إذاعتها أو أذيعت لكنها لم تحظى بمشاهدة كافية، تجعلها تلتصق بذاكرة الأجيال الحاضرة!
إن كل لحظة في حرب أكتوبر تصلح قصة إنسانية لأعمال درامية شديدة التأثير في الوجدان الشعبي، ويمكنها أن تصنع وعيًا حقيقيًا بتاريخ الأمة في لحظة فارقة تستلزم استلهام روح النصر في حرب كانت معجزة بكل مقاييس البشر..
وليتنا نستعيد معها جملة قوية قالها الرئيس السيسي ذات يوم في ذكرى العبور العظيم: "الجيش المصري اللي هزم إسرائيل مرة قادر يعملها كل مرة".. صدقونى نحن أشد ما نكون لابتعاث تلك الروح.. فهل نحن حريصون حقًا على استعادة تلك الروح؟!