الفلوس.. هل تُفسد النفوس حقًا؟!
البعض يعتقد أن الفلوس تغير النفوس؛ أو تُفسدها، وفي المقابل يرى البعض أن ذلك الاعتقاد دروشة فارغة أو محاولة لشيطنة الفلوس؛ مستندًا لمنطق فيه شيء من الوجاهة؛ فلا مجد لا في الفقر ولا الضعف؛ فالفلوس في رأي هذا الفريق تعظّم الموجود في النفوس؛ فلو أن الشخص شبعان ومعطاء، فإنه سيزداد بالمال عطاءً وكرمًا وتسامحًا مع الآخرين، بخلاف ما إذا جائعًا وخبيثًا وبخيلًا، فيسزداد حرصًا.
ولا يتوقف الأمر فقط على امتلاك المال فامتلاك أي قدرة أو براعة أو قوة فإنه يعظّم ما بداخل نفس صاحبها سواء كانت قوة فكرية، أو جسدية، أو علمًا أو خبرة، أو ثروة، أو سُلطة، أو شُهرة.. وكلها عوامل تظهر معدن الشخص وتربيته وجذوره.
هذا الرأي مع وجاهته وواقعيته يجد سنده في قول الإمام على كرّم الله وجه: "اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت فإن الخير فيها أصيل ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شعبت فإن الخير فيها دخيل".
ومع ذلك فإن ذلك الحكم لا يمضى على استقامته؛ فسلامة الطباع ليست من حظوظ كل الناس؛ فقد تجد غنيًا وهو من أبخل خلق الله، وقد تجد فقيرًا يجود بكل شيء، بكل ما يملك من طعام، ومن حسن استقبال حين يلقى الناس بوجه بشوش وابتسامة صافية؛ ناهيك عن حلاوة طبع ووفاء فطري لا يعرف النفاق ولا الرياء ولا المصلحة.. ولم لا وثقافتنا الشعبية تقول ذلك بوضح لا لبس فيه: "مبتهونش إلا على الغلبان" فهو مستعد أن يقتسم معك اللقمة والهدمة وكل ما يملك.
ثم إن المال، ما سمى مالًا إلا لأنه يميل بأصحابه؛ حتى أنه قد يكون سببًا للاستغناء عن الغير ثم وسيلة للطغيان والتجبر والاستعلاء يقول الله تعالى: "كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ"..
وما شقى الفقراء إلا ببخل الأغنياء؛ فلو أن كل غنى أخرج زكاة ماله ما وجدنا فقيرًا واحدًا ولتحققت العدالة الاجتماعية في أبهى صورها كما أرادها الله سبحانه وتعالى حين استخلف بشرًا على المال واختصهم بالثراء دون غيرهم.. وقد يسأل البعض لماذا لم يغن الله كل الناس؟!
والإجابة ببساطة لأن صلاح الناس فيما اختاره الله لهم؛ فبعض البشر يفسد حاله إذا رزق بمال كثير؛ وبعضهم يفسد حاله إذا رزق التقتير في رزقه "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ".. إنها إرادة الله ولو علمتم الغيب لاخترتم الواقع.. فإرضى بالمقسوم تكن أغنى الناس.. لا أحد يكره المال لكن الأهم أن يكون حلالا!