رئيس التحرير
عصام كامل

سيف الله المسلول، أسرار عبقرية خالد بن الوليد بالعراق والتعثر في الشام

سيف الله المسلول،
سيف الله المسلول، فيتو

خالد بن الوليد، رضي الله عنه، هو أعظم عقلية عسكرية، وأخطر عبقرية حربية عرفها التاريخ.. اكتشف رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، مواهبه الفذة في الجندية، والقتال، وأطلق عليه "سيف الله المسلول"، رغم أنه كان عائدا من معركة انهزم فيها جيش المسلمين، وعيره الناس آنذاك، بأنه "فرَّار"، فرد عليهم، صلى الله عليه وآله وسلم: قائلا: "بل الكُرّار إن شاء الله".

عبقرية خالد بن الوليد 

خاض خالد بعدها أكثر من 100 معركة أمام قوات متفوقة عدديًا من الروم والفرس وحلفائهم، ولم ينهزم قط.

وقال عنه الجنرال الألماني " فيلهلم ليوبولد كولمار فرايهر فون در جولتس"، أحد أبرز قادة الحرب العالمية الأولى، وصاحب كتاب "الأمة المسلحة": "إنه أستاذي في فن الحرب".

في الحلقات التالية نستعرض جوانب العبقرية الحربية، وأسرارها عند خالد بن الوليد.

 

نجاح في العراق.. وتعثر في الشام

رغم حساسية الموقف، ورغم انشغاله بالمعارك المتتالية، إلا أن القائد الملهم، والإنسان الفذ، خالد بن الوليد قرر بينه وبين نفسه، وبدون أن يطلع أحدا، أداء فريضة الحج.. بأسرع ما يتصور كائن من كان. غلبه الحنين إلى بيت الله العتيق، والشوق إلى حبيبه، سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فطلب من الصحابي عاصمَ بن عمرو أن يقود مقدمة الجيش، بينما تحرك خالد في المؤخرة، وكأنه كأن يريده أن يراقب ظهره أثناء رحلة العودة.
ودون أن يشعر أحدٌ تحرك باتجاه مكة المكرمة، وقطع مسافة 1500 كيلو متر بسرعة البرق، وأدى مناسك الحج، ولم يحس به أحدٌ، حتى الخليفة أبو بكر الصديق، الذي كان على رأس الحجيج في تلك السنة.

فتوحات الشام

كان رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، يخطط من أجل فتوحات الشام، ففي حياته وثعت أحداث معركة مؤتة ضد الروم في الشام، وكان خروج سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، في موقعة "تبوك" ضد هرقل. 
ثم كانت العملية العسكرية التي قام بها جيش أسامة بن زيد في الشام بعد انتقال الرسول، صلى الله عليه وسلم.
فكان من المتوقع أن يكمل أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، في خلافته ما بدأه رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، في حياته. 
ولكنَّ أبا بكر كان ينتظر الوقت المناسب، ولما فُتِحت عاصمةُ الفرس الثانية "الحيرة"، وسيطر خالد بن الوليد على ثلثي العراق، أصبح من المناسب، بل ومن الضروري، أن تبدأ فتوحات الشام؛ لأن الرومان لن يظلوا هكذا دون حِراك، ولن يكتفوا بالجلوس على مقاعد المتفرجين لمتابعة أحداث فتوحات المسلمين في العراق، فهم يعرفون جيدا أنهم سيكونون الفريسة التالية. 


كان لزاما على أبي بكر أن يباغت الروم، فيهاجمهم في أرضهم قبل أن يفاجَأ بجيوش هرقل تحاصر مدينةَ رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

رؤيا وبشرى

ومما قوى من عزيمة أبي بكر على غزو الروم رؤيا منامية، قصَّها عليه الصحابيُّ الجليلُ شرحبيلُ بنُ حسنة، وفسَّرها الصديق على أنها بشارة بالنصر على الرومان، وفتح بلاد الشام، فالنبي، صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النّبُوَّة". 


كما أن النبي، صلى الله عليه وسلم، بشَّر بفتح الشام في أكثر من حديث صحيح، حين قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "ألا إِن عقر دار المؤمنين الشام"، فكان يتكلم عن الشام  على أنها دار للمؤمنين، في الوقت الذي لم يكن فيها مؤمن واحد.. وتلك من معجزات الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم.

وفي غزوة الخندق قال وهو يشارك في الحفر: "الله أكبرُ، أُعطيتُ مفاتيح الشامِ، واللهِ إني لأبصِرُ قصورَها الحمر من مكاني هذا".
لذلك كان مستقرا في وجدان أبي بكر أن الشام للمسلمين، ولا شك، وكان موقنا بالنصر.


فعقد أبو بكر مجلسا استشاريا على مستوى رفيع، جمع به العشرة المبشرين بالجنة، ومعهم أكابر الصحابة من الأنصار والمهاجرين من أهل بدر، وغيرهم، ليستشيرهم في أمر قتال الروم وفتح بلاد الشام، وكانت نتيجة تلك الشورى أن وافقوا بالإجماع، وبلا تردد. لم تختلف آراؤهم إلا على طريقة التنفيذ فقط.

بدأ الصِّدِّيق يستنفر الناس في المدينة للجهاد.

صدمة

الصدمة، أن الاستجابة كانت ضعيفة جدا، فقد كان الناس يخشون مواجهة الروم.
لجأ أبو بكر الصديق للاستعانة بأهل اليمن، فجاءته أعداد كبيرة، استطاع أن يجهز بهم ثلاثة جيوش، وقام بتعيين كل من:
يزيد بن أبي سفيان، قائدا للجيش الأول.
شرحبيل بن حسنة، قائدا للجيش الثاني.


أمين الأمة أبا عبيدة بن الجراح، رضي الله عنهم جميعا، قائدا للجيش الثالث.. وهو في نفس الوقت القائد العام للجيوش الثلاثة.
أرسل الصديق الجيوش، واحدا تلو الآخر، بحيث يفصل بين كل واحد منهم بضعة أيام، بعد أن يودعهم بنفسه، ويوصيهم بأخلاقيات الإسلام في الحروب. 

بدايات متعثرة

كانت بدايات فتوحات الشام مختلفة تماما عما حدث في فتوحات العراق، فقد ظلت الجيوش الإسلامية منتشرة في أرجاء الشام، ولكنهم لم يحققوا انتصارات مزلزلة كالتي حققها خالد بن الوليد منذ اليوم الأول له في العراق، بل ظلت الحرب سِجالا بينهم وبين الرومان، فتفوَّق المسلمون في بعض المعارك الصغيرة، وانهزموا في معركة واحدة، هي "مرج الصفر" الأولى!


مرت شهور، والوضع في الشام كما هو؛ مما أقلق القائد أبا عبيدة بن الجراح بشدة على مصير المسلمين في الشام، خصوصا بعدما لاحظ تكاثر أعداد جند الرومان في مواجهتهم.
لذلك أرسل أمين الأمة رسالة استغاثة إلى أبي بكر يوضح له فيها حقيقة الأوضاع في الشام، ووصف له تحركات الرومان، وطلب منه المدد العاجل.
وصلت رسالة أبي عبيدة بن الجراح إلى أبي بكر أثناء موسم الحج، كان يطلب إرسال المزيد من المدد إلى الشام، في الوقت الذي كان فيه أبو بكر متمسكا بمنع مشاركة الذين ارتدوا عن الإسلام ثم تابوا، في الفتوحات الإسلامية، مما أدى لقلة أعداد المتطوعين.
استغل أبو بكر وجوده في مكة أثناء الحج، فعرض الأمر على زعماء قريش، واستنفرهم للجهاد.


تثاقل المكيون، وخافوا من المشاركة، ولكن عمر بن الخطاب استطاع أن يستفزهم ويستحثهم للجهاد، فاستجابوا لدعوة أبي بكر.
فاجتمع لأبي بكر جيش مكي قوي، يضم عددا من أشراف قريش، مثل: سهيل بن عمرو، وعكرمة بن عمرو بن هشام "أبي جهل"، والحارث بن هشام، وهو أخو أبي جهل، وغيرهم.

عمرو بن العاص

اختار أبو بكر قائدا لهذا الجيش، عمرو بن العاص.
فاستدعاه الصديق من سلطنة عمان، حيث كان يعيش بها منذ أن دخل أهلها في الإسلام على يديه، وعيَّنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مسئولا عن جمع الزكاة من أهلها.
ثم استعمله الصديق أثناء حروب الردة كقائد لإحدى الجيوش التي خرجت لقتال المرتدين، وبعدها أعاده إلى عمله في عمان.
كان عمرو وقتها قد تجاوز الستين من عمره.


تحرك عمرو بجيشه حتى وصل إلى فلسطين، فوجد جند الروم محتشدين له، فقاتلهم، وانتصر عليهم في بعض المعارك الصغيرة، ولكنه عجز أن يحقق فتوحات أو انتصارات مدوية كتلك التي حققها خالد بن الوليد في العراق.


فأرسل أبوعبيدة رسالة أخرى إلى أبي بكر، يشرح له فيها الصعوبات التي تواجههم، وأنهم لا يزالون في حاجة إلى المزيد من المدد.
فبعث إليهم مددا آخر بقيادة البطل هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وهو ابن أخي الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه.

بلال يتطوع للجهاد في سبيل الله

ثم جهز الصديق مددا ثالثا بعدها بأيام بقيادة سعيد بن عامر، فلما أراد أن يتحرك إلى الشام، جاءه الصحابي الجليل بلال بن رباح يلح عليه أن يسمح له بالخروج للجهاد مع جيش سعيد بن عامر.


فقال له بلال: "يا خليفة رسول الله! إن كنت أعتقتني لأُقِيم معك، وتمنعني عما أرجو لنفسي من الخير أقمتُ معك، وإن كنت أعتقتني لله، فخلِّ سبيلي حتى أجاهد في سبيل ربي، فإن الجهاد أحبُّ إليَّ من المقام".


وكان أبو بكر قد منع بِلالا من الخروج للجهاد أملا في أن يعود يوما ما للأذان في المسجد النبوي الشريف، بعد أن امتنع عن الأذان من شدة حزنه على وفاة الرسول.. فلما رأى الصديق حرص بلال على الجهاد قال له: "إنما كنت أريدك للأذان، وإني لأجد لفراقك وحشة يا بلال، فإن كان هواك في الجهاد، فما كنت لآمرك بالمقام". 


فقال بلال: "جزاك الله خيرا، فوالله ما أريد أن أُؤذن لأحد بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم".
وفي الشام استمر الموقف يزداد تأزما حتى بعد وصول عمرو بن العاص، وما تبعه من المدد، فقد استطاع هرقل أن يشغل جيوش المسلمين بمعارك صغيرة في أماكن متفرقة من أرض الشام، فاستنزف طاقتهم شيئا فشيئا.


لم يتوقف الصديق عن التفكير، ومقارنة الموقف في الشام بفتوحات العراق، وكان التساؤل الذي يطرح نفسه، ويلح بقوة: لماذا هذا الفارق الكبير بين جند الشام، وجند العراق في الإنجازات، والنتائج؟!! أعداد المسلمين في الشام أصبحت بعد المدد 27 ألفا، وقائدهم العام بطل مغوار من أبطال الإسلام، أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح، وهم بذلك أكثر بكثير من جند العراق مع خالد بن الوليد الذين  لم يتجاوزوا الـ  18 ألف مقاتل فقط!!


والفرس أكثر عددا، وأشد شراسة في القتال من الروم..  وعلى الرغم من كل ذلك فخالد بن الوليد خاض 16 معركة في أقل من سنة، ولم يهزم في واحدة منها، وفتح العاصمة الحيرة في أربعين يوما فقط، وسيطر على ثلثي بلاد العراق، وفي المقابل نرى جند الشام بعد شهور من بدء الأعمال العسكرية، لم يفتحوا أية مدينة استراتيجية، ولم يسيطروا على أية أراضٍ رومانية، بل وانهزموا أمام الروم في معركة مرج الصفر الأولى!!


ليس هناك إلا تفسير منطقي واحد لهذا التفوق الكبير لجند العراق، وهو أن قائدهم وسيف الله المسلول خالد بن الوليد، هو صانع هذا الفارق.  

لذلك قرر أبو بكر الصديق فورا أن يستدعي القائد الملهم، خالد بن الوليد لقيادة الأعمال العسكرية في الشام.
 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية