لماذا نخشى كتابات بالو يا ولدي؟
كل عام، مع اقتراب معرض القاهرة الدولي للكتاب، تخرج علينا جماعة من المثقفين الغاضبين بشجب حماسي ضمن مأتم أخلاقي ثقافي لوذعي ألمعي ضد ما يعتبرونه غزوا ثقافيا تشنه جيوش من الكتاب الجدد، إن جاز أن نطلق عليهم كتابًا طبعًا، والذين يفتقرون إلى الموهبة والوعي العميق.
كأن الكتابة، في عقول هؤلاء السادة طبعا برضو، أصبحت حقًّا حصريًّا لفئة مختارة من العباقرة الذين يمسكون بأقلامهم كأنها صولجانات سحرية لا يحق لغيرهم لمسها، وبينما يتطاير اللوم والنقد اللاذع، يحضرني تساؤل بسيط: هل نعيش في زمن يهدد فيه وفرة الكتب مستوى الثقافة العام أم أن الفقر الحقيقي هو في ضيق الأفق واحتكار الإبداع؟
لا يمكن إنكار أن بعض الكتب الصادرة حديثًا تعاني ركاكة الأسلوب وضعف الحبكة، وربما لا ترقى حتى إلى تسميتها بأعمال أدبية.. وذلك لأن بعضها يشبه منشورات مواقع التواصل الاجتماعي وقد وضعت بين دفتَي غلاف أنيق، فقط ليتمكن كاتبها من التصريح صارخًا: أنا كاتب ي إخوانا. هل هو نوع من الهوس بالشهرة أم رغبة مكبوتة في أن تكون الكلمة المكتوبة وسيلة لتعزيز الأنا؟ ربما الأمر مزيج من هذا وذاك يا عم الحاج.
لكن، قبل أن نشهر سيوف النقد وننادي بحرق الكتب الرمزية، دعونا نلقِ نظرة على الإحصائيات العالمية في مجال نشر الكتب: ففي عام 2022 مثلًا يعني، سجلت الولايات المتحدة وحدها 3,279,217 رقمًا دوليًّا معياريًّا للكتاب (ISBN)، وتفوقت دول مثل ألمانيا (277,000) واليابان (902,311) والهند (281,091) على العديد من الدول الأخرى. وحتى في قارتنا الإفريقية الحبيبة، تصدرت نيجيريا (14,392) وتونس (3,143) وغابت مصر عن القائمة تماما.. أفليس من الأجدر بنا أن نتساءل عن ندرة إنتاجنا الأدبي بدلًا من محاربة المحاولات الجديدة مهما بدت ضعيفة؟
ماذا سيحدث مثلًا إذا أصدر بالو يا ولدي رواية بعنوان أحبك يا أسماء، ثم راح ينقط بالحروف كما ينقطون في الأفراح من بداية الكتاب حتى نهايته؟! وماذا إن كتب حمو بيكا قصة حياته ومشوار صعوده في عالم الطرب تحت عنوان آي لف يو بيبي آر يو نو؟! وماذا.. وماذا لو وإن؟
أتذكر ذات مرة وأنا جالس في بلدتنا أقرقض في عود قصب، جاء رجل وسألني مستنكرًا: أيرضيك أن يصدر هذا التافه كتابًا؟ فأجبت: آه يرضيني يا عم الحاج مش أحسن ما يشرب سجاير؟!
يا جماعة الخير الكتابة فعل إنساني بامتياز، سواء جاءت مدفوعة بالرغبة في الشهرة أو بدافع حقيقي للخلق والإبداع.. صحيح قد تكون بعض النصوص سطحية ومكررة، لكنها تبقى جزءًا من حركة ثقافية أشمل.
مهمة القارئ الحصيف أن يفرز ويختار، تمامًا كما ينتقي الفلاح الحبوب الجيدة من بين الحصى.. ومن كتب مرة لن يعاود الكرة. طب أقولك فعل الكتابة في حد ذاته أمر مسموح بلا قيود ولا شروط، ومهما كانت جودة ما كتبت ستظل كتابة في كل الأحوال حتى وإن كانت عبارة عن حروف عشوائية تشكل كلمات لا معنى لها.
لذا، بدلًا من الاستنكار المتعال والتهكم الساخر، فلنعتبر كل كتاب جديد خطوة صغيرة نحو نشر ثقافة القراءة، حتى لو كانت البداية غير ناضجة، فإن التجربة الأولى هي الطريق إلى تحسين الإبداع وصقل الموهبة.. الكتابة يا سادة ليست حكرًا على عباقرة معدودين، بل حق متاح لكل من يحمل حلمًا ويريد أن يحكي قصته.
ثم تعال هنا، إن جيت للحق بقى فمن الأولى، بدلًا من أن ننوح بسبب كتب عديمي الموهبة والتافهين، أن ندعم كتابات المفكرين والموهوبين فالمخيف حقًّا ليس كثرة النصوص الضعيفة، بل إن الناس لم يعودوا يشترون الكتب أصلًا..
ودور النشر تعاني والموهوبون حقًّا في الكتابة لا يمكنهم التعويل على الكتابة كمصدر دخل فمعظمهم، إن لم يكن كلهم باستثناء قلة تعد على أصابع اليدين، لو اكتفوا بالكتابة كمصدر رزق لن يجدوا ثمن رغيف العيش، بينما دعم الإبداع الحقيقي يتطلب منا أن نخلق بيئة تحتفي بالكتب الجيدة وتمنح أصحابها فرصة العيش بكرامة، وليس فقط الانشغال بالسخرية من التجارب المتواضعة.
وفي النهاية، أقولها ورزقي على الله: إن كل حرف يكتب يساهم في تشكيل الموجة الكبيرة التي تصنع الثقافة، حتى وإن بدا كأنه قطرة صغيرة في بحر الأدب والفكر والثقافة يا بلو يا ولدي.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا