العفاريت تأكل سندوتشات الجبن الرومي
تقولون إن العفاريت تخيف ولا تأكل.. صحيح؟ آه، لكن تجربتي مع تلك الكائنات التي تسكن شقتي منذ سنوات ستجعلكم تعيدون النظر في هذه الحكمة القديمة.
كانت ليلة عادية.. أو هكذا ظننت، الجوع يزأر في معدتي، والعزلة تحيط بي كالبحر. فتحت الثلاجة بنية طيبة، صنعت ساندوتش جبنة رومي لا يقاوم. قطع الجبنة السميكة تصطف داخل شريحتين من الخبز الطازج، برائحة تذيب القلب قبل العقل. وضعت التحفة الفنية على الطبق. نظرت إليه بابتسامة ممتنة، وكأنني أقول: أخيرا، سأستمتع بوجبة دون تدخلات.
لكن فجأة، جاءتني فكرة عبقرية، لا ساندوتش جبن رومي دون كوب شاي ساخن. وضعت الساندوتش على الترابيزة، واتجهت إلى المطبخ. دقائق قليلة كانت تكفيني. عدت إلى الترابيزة.. وكانت المفاجأة: الطبق؟ فارغ.. السندوتش؟ اختفى.
تجمدت في مكاني. لوهلة، ظننت أنني ربما نسيت المكان الذي تركته فيه. راجعت خطواتي ببطء. بحثت على الترابيزة، تحت الترابيزة، حتى في الثلاجة نفسها، رغم عبثية الأمر. الساندوتش ليس هنا.
وفي تلك اللحظة، سمعت صوتا، خشخشة خفيفة، التفت بحذر نحو الزاوية القريبة من الباب، لأجد أثرا صغيرا، قشرة خبز متواضعة، تستلقي بلا مبالاة على الأرضية، شعرت بقشعريرة باردة تتسلل إلى ظهري.
تذكرت ما حدث في السنوات السابقة، أيام الرعب والمقالب التي اعتدتها. الأبواب التي تفتح وحدها، النوافذ التي تغلق بقوة في منتصف الليل، الأضواء التي تومض وكأنها تحتفل بمهرجان أشباحي. لكن طوال هذه السنوات، لم يحدث قط أن عبثت العفاريت بطعامي.
الجبنة الرومي؟ هل وصلت بكم الجرأة إلى هنا؟ قلت بصوت متهدج، نصفه غضب ونصفه خوف. سمعت ضحكة خافتة. ليست ضحكة بشرية بالتأكيد. ضحكة هازئة، مستفزة، تردد صداها في أرجاء الغرفة. كنت أقف هناك، محاصرا بين الجوع والخوف.
جلست على الكرسي. وضعت يدي على رأسي، وقلت لنفسي: هدوء.. قد يكون حلما. نعم، ربما لم أصنع الساندوتش من الأساس. ولكن لا. رائحة الجبنة لا تزال عالقة في الهواء. أثر الساندوتش ماثل أمامي.. لقد أكلته العفاريت. العفاريت التي كنت أتعاش معها بسلام هش، العفاريت التي اعتادت إخافتي دون مس طعامي.
ابتسمت بمرارة. إن كان هذا هو ثمن العيش في هذه الشقة المسكونة، فربما علي تعلم صنع شطائر إضافية. من يدري؟ قد تكون هذه مجرد بداية لمآدب غير متوقعة..
في تلك الليلة، لم أستطع النوم، حيث كان الجوع ينهشني، لكن فكرة الساندوتش المسروق كانت أشد قسوة. جلست في الظلام أفكر في انتقامي. نعم، لقد طالت المقالب وانتهكت كل الخطوط الحمراء، لكن أكل الساندوتش؟ هذه كانت خيانة عظمى.
قررت أن أفعلها.. نعم سأقضي على العفاريت وأطردهم من هذه الشقة كما طرد المماليك في مذبحة القلعة. لم يكن لدي جيش، لكنني أملك ذكاء ومكرا يكفيان.
بالفعل بدأت بتحضير الخطة، فتحت الثلاجة وأخرجت الجبنة الرومي، قطعتها إلى شرائح سميكة ورصصتها في طبق فخم. أعددت وليمة كاملة؛ شطائر ساخنة تفوح منها رائحة الجبنة الذائبة، وحلوى مغرية بجانبها، وكوبا كبيرا من الشاي بالنعناع. وضعت كل هذا في منتصف الغرفة، تماما مثل الطعم.
ثم اختبأت خلف الستارة، وقلبي ينبض كطبول الحرب. لم تمض سوى دقائق حتى بدأ العرض. الأبواب تفتح وتغلق، ضحكات خافتة تتردد في الغرفة. فجأة، ظهروا.
كائنات غريبة، بأجساد شفافة ووجوه تحمل ملامح شيطانية مرحة، تلتف حول الترابيزة. كانت أعينهم تتلألأ ببريق الجوع، يقتربون بحذر كما لو كانوا يعلمون أن هناك فخا، لكن رائحة الجبنة الرومي غلبتهم.
بدأوا يأكلون بنهم.. وهنا جاءت اللحظة الحاسمة، إذ أمسكت بحبل كان مخفيا تحت الترابيزة وسحبته بقوة. الشبكة التي نصبتها فوق الترابيزة سقطت عليهم وأحكمت وثاقهم. العفاريت صرخوا وحاولوا الهروب، لكن دون جدوى. ضحكت كما لو كنت محمد علي باشا نفسه، منتصرا في مذبحة العفاريت.
تسللت إلى الترابيزة ببطء، نظرت إلى الساندوتش الأخير الذي لم تلمسه أيديهم الشفافة بعد. أمسكته بيدي، قضمته بنشوة المنتصر، وقلت لهم بابتسامة ساخرة: هكذا تكون النهاية، أيها الجبناء.
لكن، في اللحظة التي ابتلعت فيها اللقمة الأولى، اختفت الشبكة فجأة. ضحكة أخرى، أكثر قسوة، ملأت المكان. نظرت حولي، ووجدت نفسي داخل الشبكة، مطروحا على الأرض، بينما كانوا يتناولون الشطائر بمرح، يرمقونني بنظراتهم الهازئة.
صرخت: هذا ليس ممكنا. لكنهم أجابوا في صوت واحد: أنت تطاردنا منذ سنوات، نحن عفاريت الجبن الرومي، وأنت وجبتنا المفضلة. وانتهت الليلة بابتسامتهم الماكرة.. وطبق فارغ آخر.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا