حوار مع الفقر
في زقاق ضيق من أزقة شارع فيصل المكتظ بطبقات من اللحم البشري، كان أبو الدهب رجلًا في منتصف العمر، يكسوه الشحوب وتغطيه طبقات من الفقر التي لا تُعد ولا تُحصى، يجلس على رصيف مهدم، يراقب المارة من دون أن يتحرك، لا يشعر بشيء سوى بقايا حلمه القديم الذي تبخر في الهواء، كانت الشوارع خالية تقريبًا، إلا من أصوات الرياح التي تعصف بالمكان، فاغتنم لحظة الفراغ ليحاور نفسه.
في تلك اللحظة، تجسد له الفقر، ليس كحالة أو وضع اجتماعي، بل ككيان حي يجلس بجواره، ينظر إليه بعينين عميقتين، ويهمس في أذنه:
الفقر: (بصوت هادئ) أنت لا تعرفني، أليس كذلك؟
أبوالدهب: (ينظر إليه بدهشة) أنت.. أنت؟ يا أخي...
الفقر: أيوة يا برنس، أنا الفقر. لا تندهش. الكثيرون يظنون أنني مجرد نقص في المال، لكنني أكثر من ذلك. أنا حالة من العدم، أسكن في الروح، وأتسلل إلى الفكر. أنا الذي يجعل الحياة عبئًا لا يُطاق، ويأخذ منك كل شيء قبل أن تدرك.
أبوالدهب (متسائلًا): لكنني لا أريدك لماذا أنت هنا؟ لقد عشت حياتي كلها معك، فلماذا لا تتركني؟
الفقر: (بابتسامة قاسية) هل تعتقد أنك تستطيع الهروب مني؟ لا أحد يهرب مني. أنت تريد مني أن أبتعد، لكنك لا تدرك أنني جزء من وجودك، جزء من كينونتك.
أنا لست مجرد نقص مادي، بل أنا الدرس الذي لا يتعلمه الجميع. الناس يظنون أنني مجرد قسوة اقتصادية، لكنني أعمق من ذلك. أنا الذي علمتك الصمت، علمتك كيف تتنفس في العتمة، كيف تقاوم الانكسار.
أبوالدهب: (يغمض عينيه ويمرر يده على جبينه) هل حقًا أنت كذلك؟ هل علمتني؟ أم أنك مجرد لعنة ألقيت بها على الجميع؟
الفقر: (بصوت هادئ وقوي) أنا لست اللعنة، يا أبوالدهب. أنا الحقيقة التي لا يريد الناس أن يراها. أنا ليس الشقاء الذي تعيشه فقط، بل هو المعنى الذي تجده في أعماقك عندما تلامس الجوع. وأنا لا أذل الناس، بل أرفعهم، لأنني أعلمهم الصبر. لولا وجودي، ما عرف الناس كيف يعطون غيرهم.
أبوالدهب: (يبتسم بحزن) لكنني فقدت كل شيء. فقدت حلمي، وها أنا ذا أجلس هنا، على رصيف لا يعرفه أحد. أفكر في الماضي الذي أضاعه الناس، وأنا لم أستطع أن أعيشه. أظن أنني قد فقدت نفسي.
الفقر: لكنك يا برنس لم تفقد نفسك بعد، يا أبوالدهب. أنت فقط تحتاج إلى أن تكتشف ما وراء هذه الوجوه المتعبة، ما وراء تلك الأيام المظلمة. لا تظن أنني أتيت لكي أسلبك كل شيء. لا. أنا أتيت لأعلمك كيف تجد نفسك في الظلام، كيف تكون قويًا في ضعفك.
أبوالدهب: (يبدأ في التفكير بعمق) هل يمكن للإنسان أن يجد نفسه حقًا في الفقر؟ أم أن الفقر هو ما يسرق الإنسان ويجعله مجرد ظل؟
الفقر: الفقر ليس هو الذي يسرق الإنسان يا برنس، بل هو الإنسان نفسه الذي يسرق نفسه. عندما تظن أنك عشت في الظل، فإنك لم تكتشف النور بعد. أنا مجرد مرآة تظهر لك حقيقتك، تظهر لك أنك لا تحتاج إلى المال لكي تكون كاملًا. تحتاج فقط إلى الإيمان بنفسك.
أبوالدهب: (ينظر إلى السماء، ثم يعود ليبتسم) إذن ربما يكون هذا هو درسي. ربما لا يكون الفقر ما أظنه، بل هو الطريق الذي علي أن أسلكه لأفهم نفسي وأفهم الحياة.. لكن ما حكاية يا برنس يا برنس التي لا تنفك عن مناداتي بها؟!
الفقر: (بهدوء) متاخدش في بالك يا برنس هذه لزمة على لساني. على كل حال سأظل هنا، لكنك لن تظل كما كنت. فكلما اقتربت مني، كلما اكتشفت قوتك. وستدرك أن الفقر ليس فقط ما يعجز الناس عن تحمله، بل هو ما يجعل البعض يرتفع ليعانق السماء.
ومع تلك الكلمات، اختفى الفقر في الظلال، تاركًا أبوالدهب في تأمل طويل. بدأ يشعر بشيء غريب. ليس هو نفسه الذي كان قبل دقائق. شعر بأن شيئًا في داخله قد تغير. ربما كانت بداية جديدة، أو ربما لم تكن البداية بعد.
فقد ظل يفكر، متسائلًا إن كان فعلًا قد وصل إلى نقطة تحول حقيقية في حياته أم أن الطريق ما زال طويلًا. ظل هناك، على الرصيف، يراقب الظلال والضوء، بين الأمل واليأس، ينتظر لحظة ما قد تأتي، أو قد لا تأتي.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا