رئيس التحرير
عصام كامل

بيت النتن

كان ياما كان، في حي بالمدينة العتيقة، حيث تتداخل الأزقة الضيقة وتتصاعد رائحة الخبز من الأفران القديمة، كان هناك منزل ضخم بُني منذ قرون، لعائلة تُعرف بالكرم والشهامة. لكن الزمن لم يرحم، فذهب الأبناء وتركوا بيتهم، ليصبح فريسة لأحد الرجال الظالمين، الذي كان يعرف بين سكان الحي بلقب "النتن"، لكثرة فساده وسوء أخلاقه.

 

دخل النتن إلى البيت في ليلة من الليالي، وأعلن بوقاحة: "هذا البيت لي الآن!"، ولم يجرؤ أحد من الجيران على مواجهته. كان النتن رجلًا ضخم الجثة، شرس النظرات، وكلما رآه الناس كانوا ينحنون خوفًا. استولى على البيت، وبدأ في تغييره بما يناسب أذواقه القذرة: ألوان الجدران تحولت إلى داكنة أكثر وأكثر، الحديقة أصبحت مكبًا للنفايات، حتى نوافذ البيت التي كانت تطل على أزقة الحي الدافئة أصبحت مغلقة بالأقفال الغليظة.

 

سنوات مرت، وبدأ أحفاد صاحب البيت الأصلي يكبرون في الغربة، كانوا يسمعون عن ظلم النتن وكيف استولى على بيت جدهم. لم يكن بإمكانهم العودة  في البداية بسبب قوته ونفوذه، لكنهم لم ينسوا. وفي إحدى الليالي، قرروا الانتقام، ولكن بأسلوب غير تقليدي.

 

اجتمع الأحفاد في منزل صغير بعيد عن أعين النتن. كان أكبرهم يدعى كريم، فتى ذكي ولماح، قال لإخوته: "لن نستخدم السيوف ولا الرصاص، سنهزمه بأسلوب لم يتوقعه قط".. وفي خفة أخرج كريم من جيبه صاروخًا صغيرًا مصنوعًا من الورق، يبدو بسيطًا وغير مؤذٍ، ابتسم وهو يمسك به، وقال: "هذا هو سلاحنا."
 

في اليوم الموعود، انتظر الأحفاد حتى حلول الليل. كان النتن يجلس في شرفته، يشرب قهوته المريرة وينظر بازدراء إلى الحي، معتقدًا أنه سيظل سيد هذا المكان إلى الأبد. فجأة، انطلق الصاروخ الورقي من يد كريم، مخترقًا الهواء بخفة وسرعة غير متوقعة. وقبل أن يلتقط النتن أنفاسه، اخترق الصاروخ عينه اليسرى، واستقر في عمقها.

 

صرخ النتن صرخة مدوية، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. الصاروخ، الذي بدا عاديًا، بدأ في التحرك داخل جسده، متجولًا في شراينه مثل ثعبان يبحث عن طريقه. أحس النتن بألم لا يُطاق، وكأنه يُمزق من الداخل. حاول الوقوف، لكنه سقط على الأرض يتلوى من الألم.

 

أصبح جسد النتن مثل ساحة معركة داخلية. كلما تحرك الصاروخ الورقي في شراينه، ازدادت صرخاته. دقائق قليلة مرت، لكن بالنسبة للنتن كانت ساعات من العذاب. وأخيرًا، توقف الصراخ.. مات النتن.

 

اجتمع أهل الحي في الصباح ليجدوا جثته مرمية أمام باب المنزل الذي استولى عليه. لم يعرف أحد كيف مات، لكن الجميع اتفق على أنه حصل على ما يستحقه.. وبينما كانوا يتحدثون عن مصير النتن، ابتسم كريم وأشقاؤه بصمت، وعادوا إلى منزلهم القديم، حيث أصبح الآن خاليًا من الشر.

 

 

تلك كانت نهاية النتن، رجل ظن أن القوة هي السلاح الوحيد، لكنه لم يعرف أن العقول الذكية لأصحاب الأرض يمكن أن تهزم حتى أكثر الأعداء شراسة.. ولو بورقة.

الجريدة الرسمية