النوم مع العدو؟!
في فيلم Sleeping with the Enemy أو النوم مع العدو، تواجه لورا واقعًا مظلمًا خلف ستار الزواج المثالي الذي يراه الجميع من الخارج؛ زواجها من مارتن الوسيم ليس كما يبدو، بل هو كابوس تعيش فيه مع رجل متسلط وعنيف.
هذا الواقع يجبرها على التفكير في كل السبل الممكنة للهروب من تلك الحياة البائسة، حتى لو كان الثمن هو تغيير هويتها بالكامل وادعاء الموت. ومع كل ما بذلته من جهد في التخطيط والهرب، تظل تتربص بها تهديدات ماضيها، ويبدو أن التحرر من قبضته أصعب مما كانت تتصور.
هذا الصراع العميق في حياة لورا يعكس بصورة كبيرة حالنا كأمة، فبينما نعيش تحت مظلة العلاقات الودية مع قوى عظمى مثل الولايات المتحدة، يظهر لنا الواقع أن هذه العلاقة ليست سوى اعتماد مشروط واستغلالي يقيد إرادتنا ويعطل سيادتنا.. كما كان خلاص لورا في استقلالها وقطع روابطها السامة، فإن خلاصنا كعرب يكمن في التحرر من الاعتماد على أمريكا في احتياجاتنا الأساسية.
ففي الحقيقة والواقع، وبعديا عن إن البحر كله قواقع، فإن الاعتماد على القوى الخارجية في تلبية احتياجات الأمة العربية من غذاء ودواء ووسائل دفاعية معضلة استراتيجية تتجلى نتائجها بوضوح في ميزان القوى العالمي.
إن مقولة: لا يمكن الانتصار على عدو نعتمد عليه في غذائنا ودوائنا واحتياجاتنا الأساسية، تلخص بدقة واقع الاعتماد العربي على الولايات المتحدة، والذي يمثل حاجزًا حقيقيًا أمام تحقيق السيادة الفعلية والقدرة على التصدي للمشاريع الصهيونية.
أصغر عيل فينا يعرف أن إسرائيل ليست مجرد كيان عدو في المنطقة، بل هي عرض ظاهري لأزمة أعمق، يتمثل مركزها في التحالف الأمريكي الصهيوني، حيث تلعب الولايات المتحدة دور الداعم والممول الأكبر للوجود الصهيوني.
ومن هنا، نجد أن العلاقات العربية الأمريكية ليست فقط شريكًا اقتصاديًا، بل هي شبكة متشعبة من التأثيرات والتحكم المتبادل، حيث تفرض واشنطن شروطها على المنطقة بحجة التعاون والحماية، وهي في الواقع أدوات ضغط للسيطرة السياسية والاقتصادية.
وخلاصة الموضوع أنه طالما كانت العلاقات العربية الأمريكية مستقرة، فنحن في موقف ضعف، إذ إن التبعية الاقتصادية للولايات المتحدة تجعل القرار السياسي العربي مرهونًا برغبات هذه القوة، وتفرض قيودًا تحول دون تحقيق استقلالية حقيقية.
إن الإبقاء على هذه العلاقات دون مراجعة استراتيجية ودون تقليص التبعية يشكل خطرًا على استقرار الدول العربية وأمنها القومي.
إذا ما العمل؟ تسألني وأقولك خبط لزق إن التحرر من النفوذ الأمريكي يبدأ بتحقيق الاكتفاء الذاتي، وخاصة في القطاعات الأساسية مثل الزراعة والصناعة والدواء. إن القدرة على زراعة ما نأكل وتصنيع ما نلبس وإنتاج أدويتنا وتجهيز أسلحتنا هو السلاح الأهم في بناء دول مستقلة وقادرة على اتخاذ قراراتها دون ضغوط خارجية.
قد يبدو كلامي إكليشيهات بايتة، لكن الحقيقة التي تسطع كشعاع الشمس على قفا الفلاح أن القطاع الزراعي هو حجر الزاوية في بناء الاقتصاد المستقل. فالتوسع في الإنتاج الزراعي يعزز الأمن الغذائي، ويقلل من الاعتماد على الاستيراد الخارجي. كما يجب على الدول العربية استثمار مواردها الطبيعية لتعزيز الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الأساسية، وهو أمر يتطلب سياسات زراعية جريئة ودعمًا للبحث العلمي لتحسين الإنتاجية وتعزيز التنوع البيولوجي.
تحقيق استقلالية صحية يتطلب الاعتماد على صناعة دوائية قوية، إذ إن غالبية الأدوية المستوردة تأتي من الدول الغربية. بناء قدرات محلية في تصنيع الدواء يقلل من الاعتماد على الاستيراد ويعزز القدرة على مواجهة التحديات الصحية دون ضغوط خارجية. كما يتطلب ذلك استثمارات ضخمة في البنية التحتية للبحث الطبي وتطوير الأدوية، وتشجيع الابتكار العلمي من أجل تحسين كفاءة وسلامة المنتجات المحلية.
وبصريح العبارة فإنه في ظل التهديدات الإقليمية المستمرة، يصبح امتلاك القدرة على تصنيع السلاح ضرورة استراتيجية. لا يمكن لأي دولة أن تدافع عن نفسها بشكل فعال وهي تعتمد على استيراد أسلحتها من دول قد تفرض قيودًا سياسية وعسكرية على استخدامها. لذلك، يجب أن تسعى الدول العربية إلى تطوير صناعات دفاعية محلية قوية، تعتمد على التكنولوجيا الحديثة وتستفيد من الكفاءات المحلية في مجال التصنيع العسكري.
ولا أخفيك سرا يا صديقي، رغم أهمية هذه الخطوات، فإنها تواجه العديد من العقبات، أبرزها الاعتماد المادي العميق لبعض الدول العربية على المساعدات الخارجية أو الاستثمارات الأمريكية، إضافة إلى ضعف البنية التحتية الصناعية والزراعية في بعض الدول.
كما أن التوجه نحو الاكتفاء الذاتي يحتاج إلى تكامل وتنسيق بين الدول العربية، حيث تتمتع بعض الدول بإمكانيات زراعية عالية، بينما تتميز أخرى بقدرات صناعية وموارد طبيعية تحتاج إلى التكامل لإنتاج منظومة اكتفاء ذاتي قوية.
وفي النهاية أقول بلغة زعماء الأمة في بدايات القرن الماضي، إن إنهاء الاعتماد على الولايات المتحدة، سواءً في المجال الاقتصادي أو العسكري، هو المفتاح لاستعادة السيطرة الكاملة على قراراتنا السيادية.
إن هذا التحرر يتطلب رؤية بعيدة المدى، وإرادة سياسية قوية، واستثمارًا استراتيجيًا في الكفاءات والموارد المحلية. إن تحقيق استقلال اقتصادي وصناعي وزراعي متكامل ليس خيارًا رفاهيًا، بل هو ضرورة استراتيجية لأمن واستقرار الأمة العربية في مواجهة التحديات الصهيونية وغيرها من التهديدات الخارجية.. والسلام ختام.