رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا نشعر بالحنين للإكس مع أول لسعة برد؟

 في الأيام الشتوية الأولى من كل عام يا سادة يا كرام، عندما يتسلل البرد خلسة إلى عظامنا المتعبة، يتسلل معه طيف تلك الذكريات، تلك الأحاديث والأماكن التي اجتمعت فيها القلوب قبل أن تنفض مثل أوراق الشجر في موسم الخريف. 

نلتفت حولنا، لنكتشف أن كل شيء تغير، حتى التفاصيل الصغيرة، لكن ما لم يتغير هو ذلك الحنين الغريب الذي يطل مع أول لفحة باردة، يسكننا وكأن الشتاء ذاته له حكاية قديمة مع حبيب قديم!

 

فما الذي يجعلنا نعود بذاكرتنا للشخص الذي رحل عن حياتنا، بينما نتمنى لو اختفى حتى من أحلامنا؟ دعونا نتحدث عن الأسباب، بقليل من السخرية، وبعض من العاطفة، وكثير من الهروب من الحقيقة.. بس محدش يقول لحد خلوها سر مت بينا.

 

حين يحل الشتاء ببرودته اللذيذة، نبحث عن الدفء في كل زاوية من البيت وكل قطعة قماش قديمة سواء كانت في الدولاب أو حتى المطبخ، ونرتديها في محاولة يائسة للتصدي للبرد، لكن.. من قال أن الملابس فقط تكفي؟ لم يكن هناك جهاز تدفئة أفضل من حضن من نحب.. حينما نجد أنفسنا وحيدين، بدون الدفء الذي كنا نتبادل فيه حرارة القلوب قبل حرارة الأجساد، تبدأ قلوبنا تخفق بالحنين، وكأن أجسادنا تحن لمن كان دفاية متنقلة، نشارك معها كوباية الشاي وتفاصيل الليل الطويلة.

 

الشتاء يُسَكن السماء بغيمات رمادية، كأنها تستفز قلوبنا لتتذكر ما رحل عن حياتنا. كلما مرّ عليك هذا المشهد الرمادي، تذكرت تلك اللحظات التي كنتم تنظران فيها إلى السماء وتتحدثان عن المستقبل، ببراءة الشباب وحماسة لم يعرفها قلبك إلا مرة واحدة. السماء الصامتة، مع البرد القارس، تفتح لنا باب الذكريات، وكأنها تُذكرنا بأن دفء شخص ما يمكن أن يكون هو الجو المشمس الوحيد.

 

عندما ينفض الأصدقاء حولنا، ويتسلل الليل مبكرًا إلى شوارع المدينة، نبدأ بالبحث عن رفيق نتحدث إليه. الشتاء يدفعنا نحو الانطواء، وكلما شعرنا بالوحدة، حاولنا استحضار صورة، حديث، أو حتى شجار قديم مع الإكس ليملأ تلك المساحات الفارغة من أيامنا الباردة. هو عذر ساذج ربما، لكنه صادق، يعبر عن حاجتنا البشرية لرؤية شخص يسكن معه صمت الشتاء.

 

تلك اللحظات البسيطة التي كنا نتشاركها مع الإكس هي التي تعود بأقوى صورة في الشتاء. شاي الصباح الباكر، البطانية التي نتقاسمها  أثناء مشاهدة فيلم رومانسي ممل، وضحكاتكنا على حبكة مكررة لا تتغير. هي الطقوس البسيطة التي تجعلنا الآن نمسك كوب الشاي بيد باردة، ونتساءل: من سيضيف السكر في كوبي هذه المرة؟

 

عجيب كيف أن البرد يدفع بنا دائمًا إلى نفس الحنين. ربما لأن البرد يجمد مشاعرنا الحقيقية، ويدفعنا لاختراع مشاعر قديمة تدفئنا من جديد، نعود إلى ذكريات قد تكون حتى انتهت بشكل سيء، لكننا نعجز عن رؤية الجزء السيء منها في الشتاء. كأن البرد يسحب من ذاكرتنا كل التفاصيل السلبية، ويترك فقط لمحات من الحنين الغبي الذي يعيدنا إلى حب انتهى بلا رجعة.

 

في النهاية، نستمر في تلك الدائرة، كل شتاء، كل برد، يعود إلينا الإكس كذكرى مغلفة بالصقيع، نفكر فيها وكأنها كانت شيئًا عظيمًا، بينما في الحقيقة كانت مجرد تجربة عابرة.

الجريدة الرسمية