صفوت الشريف.. كان وكنا!
وكان الإعلام في عهده رائدًا ومسيطرًا وقادرًا على الفعل الإيجابي، على الرغم من كل ما كان فيه من سيطرة سياسية وتخديم على النظام السياسي، وكان صوت القاهرة أعلى من غيره في المنطقة، وكانت مصر إعلاميًّا ودراميًّا وفنيًّا هي الملاذ والقدرة والنور الذي يضيء جنبات الوطن العربي بأكمله.
ولم يكن صفوت الشريف إلا واحدًا في خدمة النظام، قاد المشهد الإعلامي العربي بأدوات مصرية الهوى والهوية، وفتح المجال أمام كُتَّاب عظام وفنانين كبار، فكان قطاع الإنتاج واحدًا من أهم أدوات قوتنا الناعمة، التي قدمت لأمتنا العربية قِيمًا وأصالة، ولم يدخل في معركة ضد بلد عربي آخر إلا في مشاهد طارئة لم تستمر طويلًا.
وعلى الرغم من حداثة صفوت الشريف وقدراته الفائقة على الإضافة في كل عام لمنتج إعلامي جديد، وعلى الرغم من نظرته الثاقبة ووقوفه في صحراء أكتوبر ليقول للعامة والخاصة “هنا ستكون مدينة للإنتاج الإعلامي وقمر صناعي مصري” وفعل ذلك، فإن الزمن كان قد تركه بفعل سنة الحياة بعد ظهور المارد الجديد.. الشبكة العنكبوتية.
كُنَّا نشكو ضيق مساحة الرأي الآخر في عصره، ولم نكن نعلم أن المساحة المتاحة ستصبح تاريخًا تليدًا نبكي عليه، ونحكي فصولًا من عظمته لأجيال كان من المفترض أن تكون في باحة أوسع ومساحة أكبر بقدر ما أتاح الوسيط الجديد من قدرات فائقة عابرة للحدود.
وكانت الدراما المصرية عنصرًا أساسيًّا وفاعلًا في بيوت العرب، وكان المشهد الإعلامي المصري يقود التاريخ الإعلامي العربي بسرعة الضوء، وكان الفارق بيننا وبين غيرنا يعادل المسافة بين الأرض والقمر. كُنا نورًا يهدي، وكنا صوتًا للعرب في كل المحافل الدولية والإقليمية.
كنا وكان صفوت الشريف ابن النظام وأحد وكلائه وأهم عرابيه، وقائد حملاته في الداخل والخارج، وكان المغفور له بإذن الله لا يضيق بما نكتب ضده وضد النظام الذي ينتمي إليه، ويدافع عنه ولا يسمح لغيره أن يعتلي سدة الحكم أو يكون صاحب مشيئة فيه.
وكان ماسبيرو مصريًّا خالصًا، على الرغم من تهميش الصوت الآخر وإبعاده، وربما إقصاؤه. كان ماسبيرو ذا شأن عظيم، وكان كيانًا طبيعيًّا، ولم يكن كيانًا لقيطًا أو مشوهًا أو نيزكًا هابطًا من السماء لا يفهم تكويناته الذين يعيشون على الأرض..
وكان ماسبيرو ملاذ أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد وإحسان عبد القدوس، وكان ماسبيرو نقطة دفاع الهوية، فكانت ليالي الحلمية، والمال والبنون، ولن أعيش في جلباب أبي، ورأفت الهجان، وجمعة الشوان، وزيزينيا.
وكان ماسبيرو نبتًا طبيعيًّا نُثرت بذوره ورُويت بعقول مصرية، ولم يكن هجينًا أو غريبًا أو شاذًّا، حتى فساده كان تحت سقف المعقول. كان ملكًا للناس، ولم يكن تجمعًا لمصالح تتنافر مع مصالح الوطن، ولم يكن تجمعًا للنهب العام واللصوصية والهليبة.