رئيس التحرير
عصام كامل

الإمام.. رجل في حجم أمة

 الحمد لله الذى أنزل على عبده وازعا من الصبر والسماحة واللين والحسم، الحمد لله الذى منّ على عبده بمزيد من المثابرة والثبات والقوة في الحق، الحمد لله أن منحنا رمزا يحيا بيننا قابضا على دينه، ممسكا بإنسانيته، جاهرا بالحق في مواجهة رموز الشر وصناع الموت.


الحمد لله أن بيننا ومنا ومعنا فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الذى بإطلالته يبدد غيوم الضلال وينثر بذور الصمود والمحبة والسلام، وينشر بين الناس أملا في أن نبقى على هويتنا، وعلى قيمنا، وعلى أصالتنا، وعلى كرامتنا.


وسط حالة من البلبلة المريبة صنعتها كتائب إلكترونية عربية صهيونية، لتخلط بين الحق والباطل بعد استشهاد المجاهد العربى يحيى السنوار، جاء نعى الأزهر الشريف لكل المقاومين الشرفاء الأبطال، وفي القلب منهم «أبا إبراهيم» الذى زاد عن دينه وعرضه وشرفه حتى اللحظة الأخيرة من حياته الدنيا، لينال شرف الشهادة وما بعده شرف يرجى.. 

جاء النعى دون لبس أو غموض أو ارتباك.. جاء نعى الأزهر الشريف ليعلن للأمة أن القيم لا تتغير ولا تتبدل، ولا يمكن لقوة فى الأرض اللعب بها وبمفاهيمها.


جاءت إطلالة الأزهر نورا هاديا يبصر الناس بما يحاك غربيا وعربيا، جاء ليقول كلمة حق فى وجه أساطين القتل والتدمير من عواصم غربية لا تجتمع إلا لغزونا وقتلنا والعبث بمقدساتنا والنيل من كرامتنا وعزتنا وشرفنا وتاريخنا وإنسانيتنا.


جاء الرد الشافى من الأزهر الشريف دون حسابات، ودون وهن أو ضعف، دون خوف أو رهبة أو تردد، جاء نعى الأزهر وكأنه شمس تبدد ظلمة اللحظات التاريخية التى أرادوها مرتبكة، تخلط بين الحق والباطل، جاء الرد حقا ليقول للكل إن الباطل كان زهوقا.


والمتابع الجيد لمواقف الأزهر الشريف يدرك حجم ما لدينا من قوة وقدرة على الرد والمواجهة، في مؤسسة لا تباع ولا تشترى، لا تهن ولا تخون، رسالة إنسانية جاءت لتكون نبراسا للناس، مؤسسة يعتليها زاهد لا يبغى مالا ولا جاها، ولا تشغله أمور الدنيا التى شغلت كبار القوم وضعافهم.


ومواقف الأزهر الشريف من المقاومة مواقف هادية لا لبس فيها، تحادث الناس وتحدثهم عن فتية آمنوا بربهم فزادهم ربهم صمودا وعزيمة وقوة، فى مواجهة قتلة الأنبياء، قاتلى الأطفال والنساء، حارقى الأشجار والحياة، مدمرى الحجر والبشر، وكل القيم الإنسانية التى خلقنا الله من أجلها، وعليها نحيا وبها نعيش.


لم يُختطف الأزهر الشريف مثلما اختطفت أوطان ومؤسسات، فعلى قمته رجل اعترك الحياة، ونال منها زهدا، وأعطى فيها كرما، وتعاطى فيها مع كل مفردات الحق، فلم تغره المغريات، ولم تنل منه حسابات الدنيا الضيقة، فقام بيننا إماما نسير من خلفه كما سار، ونرى به ما يرى، وعلى خطاه حق يرجى، وصخرة تتحطم عليها كل المؤامرات.


وعلى هدى الأزهر وموقفه الصامد تغيرت مواقف وتبدلت آراء وتراجعت دول، وأجرت تحقيقات فيما بثته وسائلهم الإعلامية التى وصفت المقاومة بالإرهاب، وعلى هدى الأزهر تحركت نقابات وقامت كيانات وتبدل الحال من غموض مريب إلى نور يسطع فى سماء الحق ويدعم المقاومة.


وعلى وقع نعى في كلمات واضحة لا لبس فيها تراجعت قصور وممالك، وعاد من عاد مقتنعا أو راضخا، وبدا واضحا أن الأمة بحاجة إلى من يقود هويتها ويعيدها إلى حضنها، ويستعيدها بعد ضلال الطريق، ويقول فيها ما يخشى كثيرون قوله خوفا وطمعا وتقربا إلى غرب ما عاد التقرب إليه فضيلة.

 


لم يكن مجرد نعى يصبغ على أصحاب الحق حقهم، ويصف المقاومين بالأبطال والمجاهدين والمحاربين من أجل عزتنا وكرامتنا وشرف أمتنا، ولم يكن النعى كلاما مناسبتيا يقوله شخص برياء، بل كان كما لو كان دانة حق في جسد الباطل الوهن الضعيف.. كان نعيا بطعم الاحتجاج، واستعادة زمام القول في زمن لم يعد فيه كبارنا يقولون إلا كذبا وبهتانا وزورا.

الجريدة الرسمية