كلب وراح
نقول بالعامية المصرية كلب وراح إذا ما اختفى من على الساحة واحد من هؤلاء الذين تركوا بصمات سيئة على العامة أو الخاصة، يتساوى في ذلك موظف كبير ترك في جماعته ندوبا وجروحا وأذى أو موظف صغير كان ذيلا لواحد من الكبار وعاث في الأرض فسادا.
نقول على الوزير الذي آذى البسطاء أو ترك أثرا سيئا بين الناس كلب وراح ونقول على رئيس الوزراء الفاشل الذي لامس بأفعاله وقراراته مصائر البلاد والعباد، ونقولها على فتوة فرض بالقوة على الناس ما أتعبهم وأرهقهم وبدل أحوالهم وعبث في مستقبلهم.
ونقول كلب وراح عقب كل انتخابات أمريكية، ويقول بعضنا في مثل هذه الحالات "شالوا الدو.. حطوا شاهين"، والمعنى أنه هناك كلب اختفى وجاء في موضعه كلب آخر، وقلنا ذلك مرارا وتكرارا على مسئولين ظهروا على السطح فجأة وعاثوا في الأرض مفسدين، وعندما اختفوا اختزلناهم في كلب وراح.
والمشكلة ليست فيما نقول وإنما في عدم وجاهة ما نقول فالكلب يساء إليه بما نقول، الكلب حيوان مخلص للغاية وتختصر فائدته في الحراسة أو الملازمة أو الصداقة، والكلب يموت إذا مات صاحبه ويكتئب إذا اكتئب صاحبه، ويفرح إذا فرح صاحبه وهو بذلك مخلص أمين.
عندما نقول كلب وراح فإننا نسيء إلى الكلب الوديع، اللطيف، المخلص، الوفي، ونسقطه في موضع آخر تماما، ونرسم صورة ذهنية غاية في التحريف عن الكلب دون أن نفكر مليا فيما نقول، فليتهم كانوا كلابا، فالكلب لا يخون ولا يغدر ولا يؤذى أبدا إلا من آذاه.
الكلب يا سادة حارس أمين ورفيق مخلص، يدافع عن صاحبه وعن ممتلكات صاحبه، وعن بيت صاحبه وعن كل ما يخص صاحبه، والكلب يعرف المعروف ويرده الصاع صاعين وثلاثة ولا يعرف الخبث واللؤم والخيانة، الكلب لا يلعب بمصائر الناس أبدا.
الكلب لا يهين ولا يلين، والكلب لا يعرف الغدر، ولا يقامر بمصالح الناس، ولا يستغل الناس وظروفهم في إذلالهم أو اغتصاب حقوقهم تحت وطأة الحاجة، والكلب لا يستغل ضعف الناس أو عوزهم ولا يأكل ميتة ولا جيفة ولا يتسلى بسيرة الناس وأسرارهم.
الكلب يا سادة أرقى من هؤلاء الذاهبين عنا أو المختفين عنا، أو من جاءوا فداسوا على كرامة الناس واستغلوا ضعفهم، الكلب أعظم قدرا من هؤلاء الذين راحوا، أو الذين سيأتى عليهم الدور ليذهبوا عنا ويصبحوا في عداد اللعنة والنقمة، عندما يروح الكلب نفقد عزيزا، وعندما يروح الفاسد ترفع عنا اللعنة والغمة.