رئيس التحرير
عصام كامل

عاش السنوار ومات قاتلوه

عاش عمر المختار ومات قاتلوه.. عاش جيفارا ومات قاتلوه.. عاش أحمد ياسين ومات قاتلوه.. عاش فلاحو دنشواي ومات قاتلوهم.. عاش يحيى السنوار وسيموت قاتلوه، ما زلت أستعيد إلى الذاكرة صور الأبطال العظام وهم يرسمون لحظات حياتهم الدنيا الأخيرة.. كانوا منتصبي القامات، مرفوعي الهامات، رافعي الرايات.


أعيد إلى الذاكرة ما قاله السنوار وكأن القدر كتب ما قال.. قال الرجل بطلاقة أود أن أموت بسلاحي لا أن أموت بجلطة أو في حادث سير.. قالها ونالها.. منحه الله شرف المجاهدين الأبطال وعاش يحيى كما كان اسمه يقول ذلك منذ المولد.. عاش كما أراد له ربه فغادر إلى حيث لا نصب ولا تعب ولا رياء.


أستعيد ما قاله خالد بن الوليد عند وفاته: “لقد شهدت كذا وكذا زحفًا، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح، وهأنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء لقد طلبت القتل في مظانه، فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي”!
 

وقد عاش السنوار وفي عمره آلاف الطعنات وعايش مئات المعارك، وخطط ودبر لواحد من أعظم انتصارات وطنه المحتل، ورسم على جدران التاريخ ملحمة بطولية لن ينساها أعداؤه قبل رجاله، وظل حتى الرمق الأخير وفي يده سلاحه يقاتل، فلم يكن مختبئًا ولا هاجرًا الميدان.


أستعيد صور نتنياهو وهو يجري مثل الجرذان عند سماع صفارات الإنذار ليختبئ مع ثلة من حراسه في قبو تحت تحت الأرض، كان مُدبِرًا وبينما كان السنوار مقبلًا غير مدبر.. أستعيد صور السنوار منتصبًا على مقعد وسط كومة حطام وفي يده خشبة.. آخر ما كان لديه ليقاتل به.. أي عار يعيشه قاتله وأي شرف ناله السنوار؟


أدهَش وأنا أقرأ فصول تلك الحملة المسعورة التي تقودها دول عربية ضد رجل سهر وهم نيام، قاتل العدو في الميدان وهم يقاتلون من أجل المهرجانات، قابل الموت بصدر عارٍ فيما هم يعيشون العري حاضرًا ومستقبلًا وماضيًا، فاضت روحه وهو ينشد له أسطورة بطولية وهم يموتون في خمارات السلطان.
 

أردد للعامة وللخاصة ماذا تقولون في رجل التقى ربه وهو شاهر سيفه في وجه أعداء البشرية مقاتلًا، منتصبًا، مجاهدًا؟ قد فاز ورب الكعبة وترك في التاريخ الإنساني ملحمة لن تنساها الأجيال التي قاتلت والتي لا تزال تقاتل عدوًا لله أمعن في عدائه وقتل الأطفال والنساء والشيوخ.


عاش يحيى السنوار حياته كما غادرها، عاش مؤمنًا بفكرة إنسانية راقية وقاتل من أجلها وسجن من أجلها وحتى اللحظة الأخيرة له، رفض الانصراف قبل أن يترك فينا أثرًا عزيزًا نفاخر به الأمم ونغنيه قصيدة عربية في زمن الرقص العربي في حانات الغرب.

 


تحية إلى كل رافض، وتحية إلى كل مقاتل يزود عنَّا ونحن حبيسي زنازين الشوارع المختطفة، تحية إلى كل مجاهد، صابر على قتال أعدائه وأهله في عواصم كانت عربية، تحية إلى هؤلاء الشرفاء في ساحات المعارك في غزة واليمن ولبنان والعراق، ولا عزاء لكل الساكتين، والصامتين والقتلى على فُرشهم.

الجريدة الرسمية