من الوصايا النبوية الجامعة
نشهد لرسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام وعلى آله الأطهار أنه قد أدى الأمانة، وبلغ الرسالة كمال البلاغ، ونصح للأمة خير النصح وكشف الغمة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك والعياذ بالله، فاللهم اجزه عن أمته خير ما جزيت به نبيًا ورسولًا عن قومه وأمته..
ومن كمال بلاغته ونصحه الكريم الطيب أنه لم يترك لنا سبيلًا للنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة إلا دلنا عليه، وأرشدنا إليه وأمرنا به ورغبنا فيه وحثنا عليه وكان أسبقنا إليه، وكان بحق مناط القدوة الطيبة والأسوة الحسنة.
وصدق الله تعالى إذ قال: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"، ومن كمال نصحه وتوجيهه تلك الوصايا الطيبة الكريمة التي حفلت بها السنة النبوية المطهرة والتي تنير لنا طريق السعادة والنجاة والفلاح والفوز في الآخرة والتي تقربنا إلى الله تعالى وتقيمنا في حال الوصل والاتصال به تعالى والمقام في ولاية ونيل عفوه ومغفرته ورضوانه سبحانه وتعالى..
وها هي إحدى وصاياه الجامعة التي تشير وتبين إلى ما يجب أن يكون عليه حال العبد المؤمن الذي يراقب الله عز وجل في كل ما يصدر منه من قول وفعل وحال، والذي يتحرى حركاته وسكناته ويعبد الله تبارك في علاه من مقام الإحسان، وهو مقام الشهود وكأنه يراه جل جلاله، كما قال صلى الله على حضرته وعلى آله وسلم: "اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"..
تلك الوصية التي أوصى بها حضرته الأمة في شخص سيدنا معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، يقول فيها: "يا معاذ إن المؤمن لدى الحق أسير، يعلم أن عليه رقيب، على سمعه وبصره ولسانه ورجله وبطنه وفرجه، حتى اللمحة ببصره، وفتات الطين بأصبعه وكحل عينيه، وجميع سعيه، يا معاذ، إن المؤمن لا يأمن قلبه، ولا تسكن روعته، ولا يأمن اضطرابه، يتوقع الموت صباحًا ومساءً..
فالتقوى رقيبه، والقرآن دليله، والخوف حجته، والشرف مطيته، والحذر قرينه، والوجل شعاره، والصلاة كهفه، والصوم جنته، والصدق فكاكه، والصدق وزيره، والحياء أميره، وربه تعالى من وراء ذلك كله بالمرصاد، يا معاذ إن المؤمن قيده القرآن عن كثير من هوى نفسه وشهواته وحال بينه وبين أن يهلك فيما يهوى بإذن الله".