من عرف نفسه فقد عرف ربه
في معنى قول الله تعالى "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، يقول حبر الأمة سيدنا عبد الله بن العباس رضي الله عنهما، أي ليعرفون، إذا أن المعرفة بالله عز وجل هي الغاية من عبادة الله تعالى والتي على أثرها يصل العبد إلى محبته عز وجل وهي الغاية العظمى من العبادة.
والمعرفة بالله تعالى مدخلها المعرفة بالنفس، فمن عرف نفسه فقد عرف ربه تعالى، أي من عرف نفسه بالحداثة عرف ربه بالقدم، ومن عرف نفسه بالضعف عرف ربه بالقوة، ومن عرف نفسه بالعجز عرف ربه تعالى بالقدرة، ومن عرف نفسه بالجهل عرف ربه تعالى بالعلم، ومن عرف نفسه بالموت والفناء عرف ربه بالحياة والخلد والبقاء..
ومن عرف نفسه بالعوز والفقر عرف ربه سبحانه بالغنى والإستغناء، ومن عرف نفسه بالذل عرف ربه بالعز، وإجمالا، من عرف نفسه بذلها وعجزها وفقرها وعوزها عرف ربه عز وجل بالعزة والقدرة والغنى، وهكذا في كل ما يتصف به الإنسان فكلها تدور حول العجز والضعف والعوز..
وصفات الله تبارك في علاه تخالف صفات خلقه، وهو جل جلاله متقدس الأسماء، منزه الصفات، متعالي الذات جل جلاله، وهو الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، هذا والله تعالى قد دعانا في كتابه الكريم إلى معرفته والعلم به سبحانه، هذا وللمعرفة بالله تعالى سبيلين وهما النظر في مفعولاته وآياته والتفكر والتدبر والتأمل فيها، فهي آياته الدالة على وجوده وخلقه وطلاقة قدرته وعظيم إبداعه..
والمشيرة إلى هيمنته وقيموميته وإحكامه وتمام كمال إتقانه فيما خلق سبحانه وتعالى، هذا عن السبيل الأول للمعرفة بالله تعالى، أما السبيل الآخر هو سماع آيات قرآنه التي تخاطب القلوب والعقول والأرواح، وتؤكد على أنه عز وجل الإله الخالق القادر القدير المقتدر والواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لا نظير له ولا ضد ولا ند ولا شبيه له، ولا شريك معه سبحانه..
هذا والعلم بالله تعالى هو أشرف وأجل العلوم وخيرها، وهو العلم بأسماءه تعالى الحسنى وصفاته العليا وأفعاله سبحانه، والعلم بالله يوجب لصاحبه المعرفة بالله سبحانه وتعالى وخشيته ومحبته والحياء منه، وطاعته وهيبته وجلاله وعظمته والتبتل إليه، والتوكل عليه والصبر على طاعته وابتلاءه والرضا بقدره وقضاءه، هذا وكما ذكرنا أن باب المعرفة بالله المعرفة بالنفس، فمن أنت أيها الإنسان وبما وصفك خالقك سبحانه؟ هذا ما سوف نتحدث عنه في مقال تالي بمشيئة الله تعالي.