رئيس التحرير
عصام كامل

في الذكرى الحادية والخمسين لرحيل قاهر الظلام!

عبرت بنا أمس ذكرى رحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين الذي غيّبه الموت عن عالمنا في الثامن والعشرين من أكتوبر من عام1973، رحل في شهر الانتصارات بعد أن إطمأن على عبور مصر من النكسة إلى العزة والكرامة وإستعادة الأرض والعرض والكرامة!


طه حسين اتفقنا مع أفكاره أو اختلفنا، فإنه سيظل رائدا من رواد التنوير في القرن العشرين، لم يكن مجرد عالم تحدّى ظروفه ولم يستسلم لما لحقه من فقدان البصر في سن صغيرة، بل كان مثالًا للصبر والمثابرة والجَلَد في تحمل مشاق طلب العلم في بيئة فقيرة قام بتصويرها بأبلغ العبارات في كتابه المشهور"الأيام".. 

الذي يعد توثيقًا أمينا لحياته وسيرته الذاتية بلغة أدبية بليغة منذ لحظة الميلاد في أقاصي الصعيد وحتى حصل على الدكتوراة في السوربون أعرق جامعات فرنسا وأوروبا.


طه حسين حصل علي درجة الدكتوراة من جامعة السوربون عن فلسفة ابن خلدون عام 1917، نعرفه مثيرا للجدل عندما ألف كتابه (في الشعر الجاهلي) متبعا فيه مذهب الشك الديكارتي، والذي عرضه للاتهام بالكفر والالحاد، تم إبعاده عن عمادة كلية الآداب بسبب رفضه منح الدكتوراة الفخرية لعدد من الأسماء التي اقترحها وزير المعارف آنذاك.. 

 

وعندها قامت حركة احتجاجية واسعة من جانب الطلاب وإستقال أحمد لطفي السيد مدير الجامعة رفضا لهذا الإبعاد الذي يمثل انتهاكا لاستقلال الجامعة، وذلك في 9 مارس 1932، نعرف أيضا كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) وهو من أهم كتبه وأفكاره التي يمكنها إن أمعنا النظر فيها وطبقنا ما جاء فيها أن نحدث نقلة نوعية في تعليمنا، الذي لا يزال يراوح مكانه، ويحتل مكانة متدنية في ذيل التصنيف العالمي لجودة التعليم.


لقد أثرى طه حسين المكتبة العربية بطائفة ثرية من الكتب المهمة ومنها حديث الأربعاء، وعلى هامش السيرة عن السيرة النبوية، والشيخان، وغيرها من مؤلفات قيمة تعبر عن عمق الثقافة والرؤية الفكرية لقامة فكرية وثقافية نادرة!


أما مواقفه السياسية ومعاركه الأدبية فقد عرفناها وعايشها بعضنا وتنقله ما بين أحزاب الأحرار الدستوريين والاتحاد وأخيرا الوفد، ومقالاته في صحفها والمعارك السياسية والفكرية التي خاضها، خاصة مع العقاد.


طه حسين لم يكن فقط أحد أعمدة الثقافة في عصره بل كان سياسيًا تولى وزارة المعارف في آخر وزارة وفدية، عندما أكد أن التعليم كالماء والهواء، كلنا نعرف تأييده لثورة يوليو 1952، وعمله في جريدة الجمهورية.. كل هذا وأكثر نعرفه عنه، ولكن أزعم أن قليلا منا يعرف أنه تنازل عن وسام جوقة الشرف، الذي منحته له فرنسا ردا علي عدوانها علي مصر عام 1956..

 

 

وإذا كان مصطفى كامل صاحب مقولة: لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس، فإن طه حسين قاهر الظلام كان النموذج العملي لتطبيق تلك المقولة على أرض الواقع، بل إنه ذهب لأبعد من ذلك حين صكّ عبارة أخرى وهى: التعليم كالماء والهواء، ليفتح نوافذ جديدة للعلم والمعرفة والاستنارة والتحرر من ربقة الجهل والأمية والمرض والتخلف والعبودية.. تحية لقاهر الظلام في ذكراه الحادية والخمسين.

الجريدة الرسمية