لو دامت لغيرك!
بعض الناس يعشق المناصب والجاه والنفوذ، ويراها غاية في ذاتها وينسى أن قيمة الإنسان لا تقاس بمنصبه؛ بل بما يتركه من أثر نافع بين الناس يجعل لحياته قيمة ولرحيله معنى؛ فلا تقس قيمتك وأنت جالس على كرسي المنصب.. فهذه قيمة الكرسي وليست قيمتك أنت..
قيمتك الحقيقية هى حب الناس لك بعد المغادرة، الكرسي لا يدوم لأحد ولو دام لغيرك ما وصل إليك.. انظر كم مسئولًا غادر منصبه قبلك.. وماذا بقى له!
قليلون هم أصحاب البصمة الحقيقية الذين حزن الناس حين فارقوا مناصبهم.. لماذا حزن الناس لفراقهم؛ لأنهم كانوا أكثر نفعًا للناس؛ فذهب منصبهم وبقي أثرهم يقول الله تعالى "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ"..
فكن دائمًا من الذين يجمعون الشمل ولا تكن من الذين يفرقون الناس، ولا تستغل منصبك لأنه سوف يصنع لك شيئًا من اثنين: إما تاريخ مشرف، وإما إلى مزبلة التاريخ.
المناصب لا تصنع الرجال.. بل الرجال هي من تصنع المناصب.. وعندما تتقاعد من منصبك، سينساك الذين يرقصون من حولك إلا إنسان واحد سيتذكرك للأبد؛ ذاك هو الذي آذيته في رزقه فاحذر أن تؤذي أحدًا وأنت في منصبك؛ فيذهب منصبك وتبقى مظالمك؛ فدعوة المظلوم يرفعها الله فوق سبع سماوات يقول لها "وعزتى وجلالى لأنصرنك ولو بعد حين"..
هذه دعوة تخيف الظالم، وتريح المظلوم.. فاطمئن يا كل مظلوم فالله متكفل بمظلمتك ونصرتك.. وإحذر يا كل ظالم فربُّ الناس لك بالمرصاد ولسوف تشرب من الكأس ذاتها التي سقيت بها المظلوم.. يقول الله تعالى:" إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ"..
هذه حقائق يراها الناس رأي العين، لكن يغفلها البعض تحت زهوته بالمنصب والنفوذ أو المال.. مغترًا بقوته وجبروته وينسى أنه طين لا يقدر حتى على دفع الأذى عن نفسه، وربما يتسبب فيروس لا يرى بالعين المجردة في مرضه وتعبه وعجزه وربما لا يستطيع أن يستنقذ شيئًا سلبته منه ذبابة يقول الله تعالى وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ"..
فهل بعد كل ذلك يمكن أن يغمض للظالم جفن أو يهنأ طرفة عين إن كان ذا عقل ونظر.. الدنيا أقصر من أن يتنازع عليها البشر.. فالكل راحلٌ ولا تبقى إلا السيرة الحسنة والحساب.. فاعقل وتدبر فالله تعالى يقول "وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ".. ودوام الحال من المحال!