السند الحقيقي!
الصديق الحق شيء نادر لا يتكرر كثيرًا في الحياة؛ الصديق الحق سند وظهر يجعل للحياة معنى وللوجود قيمة، فهل سألت نفسك يومًا ما معنى كلمة صديق.. والإجابة ببساطة: الصديق يعنى قلب يحضنك فى وقت ضيق يعنى روح بتونسك طول الطريق.. يعنى فيه بتشوف حقيقتك مهما كان.. يعنى لو يقسو عليك يقسو بحنان.. يعنى معاه بس تشعر بالأمان..
يعنى نسمة تهفهف في عـز صيف.. يعنى إحساس بالدفا وقت الخريف.. يعنى ذاتك.. يعنى صوتك.. صوت سكاتك.. يعنى بيه عمرك ما تبقى يوم ضعيف.
الصديق خليل؛ والمرء على دين خليله.. فانظر من تخالل.. من تصاحب.. من تفضي إليه بسرك وهمومك.. بأفراحك وأتراحك.. الصديق الحق مرآة ترى فيها ذاتك.. ترى فيها عيوبك.. انتصاراتك وانكساراتك..
ولهذا ليس مستغربًا أن يوصينا رسولنا الكريم بحسن اختيار الصاحب بقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا مَثَلُ الْـجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْـجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً".
الصديق المزيف فهو جانب مظلم لا نحب أن نراه في حياتنا؛ فهو أقرب للنفاق يبدي خلاف ما يبطن، يمارس أسوأ أنواع الخداع والأنانية والأثرة..
ولهذا ينصح الشعراء بعدم مصاحبة اللئيم.. فيقول الشاعر:
وَدَعِ الْكَذُوبَ فَلَا يَكُنْ لَكَ صَاحِبًا * إنَّ الْكَذُوبَ يَشِيـنُ حُـرًّا يَصْحَبُ
يَلْقَاكَ يُقْسِمُ أَنَّـهُ بِـكَ وَاثِقٌ * وَإِذَا تَـوَارَى عَنْـكَ فَهْـوَ الْعَقْرَب
يُسْقِيكَ مِنْ طَرَفِ اللِّسَانِ حَلَاوَةً * وَيَرُوغُ مِنْكَ كَمَـا يـَرُوغُ الثَّعْلَـبُ لا خَيْرَ فِـي وُدِّ امْـرِيءٍ مُتَمَلِّقٍ * حُلْـوِ اللِّسـَانِ وَقَلْبـُهُ يَتَلَهَّـبُ
عملة نادرة هو الصديق الحق الذي يصمد في اختبارات الحياة؛ فلا يصمد إلا كل صادق في مودته مخلص في محبته.. فالمواقف الصعبة خريف العلاقات.. معها يتساقط الزائفون ولا يبقى إلا المخلصون الصادقون.. وتعرف معادن الرجال في المحن، وتظهر خبايا القلوب ويمتحن الإخلاص وتسقط الاقنعة..
الصديق الحق من يبادر بالسؤال عنك إذا غبت عنه ثم لا يمل كثرة الاتصال إذا لم يتلق منك إجابة لعارض أصابك؛ مرضًا كان أو انشغالًا، بل يديم السؤال عنك ويحمل همك ويخلص لك الود كما يخلص النصح.
ولا غرابة أن الصداقة مأخوذة من الصدق في المودة، وتدل كلمة صدق على قوة في الشيء قولا وفعلا.. الصديق الحق من يصدقك المحبة والنصيحة، ويؤذيه ما يؤذيك ويسعده ما يسعدك، ولا تحركه المصالح الدنيوية في علاقتكما.
الشعراء يحتفون بقيمة الصداقة ويرونها من معالى الأمور.. وقد قال فيها حسان بن ثابت شاعر الرسول:
أَخِلاَّءُ الرِّجَالِ هُمْ كَثِيرٌ .. وَلَكِنْ فِي البَلاَءِ هُمْ قَلِيلُ
فَلاَ تَغْرُرْكَ خُلَّةُ مَنْ تُؤَاخِي.. فَمَا لَكَ عِندَ نَائِبَةٍ خَلِيلُ
وَكُلُّ أَخٍ يَقُولُ أَنَا وَفِيٌّ .. وَلَكِنْ لَيسَ يَفعَلُ مَا يَقُولُ
سِوَى خِلٍّ لَهُ حَسَبٌ وَدِينٌ .. فَذَاكَ لِمَا يَقُولُ هُوَ الفَعُولُ.
قليل هم الأصدقاء الذينَ يَلمَسونَ نَبرة التوَجُع مِن أصوَاتنَا وَصمتنَا، فَلا يُنَاقشونَنَا وَإنّما يفتشون عن أمور تُسعدنَا وَتَبعث البَهجة فِي نُفوسنا. ما أجمل تلك المشاعر البشرية والأحاسيس الإنسانية المرهفَة الصادقة المفعمة بالحب والنقاء التي تمتلئ بها الروح ويضطرب بها القلب ويهتز لها الوجدان؛ فالصّداقة زهرة بيضاء تنبت في القلب وتتفتّح في القلب ولكنّها لا تذبل.
ثمة من يكون حضوره في حياتنا علامة فارقة، وهناك من يكون علامة فارغة، فاختر الصّديق الحقيقي، واحذر من الصّداقة المُزيّفة.
تمر الصداقة، كما الحب أحيانًا، بمخاطر كبيرة، توشك على الموت وقد يتطلب انقاذها عملية جراحية.. وهناك أصدقاء يحتاجهم عقلك، وهناك أصدقاء يحتاجهم قلبك، وهناك أصدقاء تحتاجهم أنت لأنّك ببساطة دونهم تصبح بلا عنوان.
صديقك الحقيقي هو الّذي يفرح إذا احتجت إليه ويسرع لخدمتك دون مقابل. بَهجةُ الأصدقاء سَبب كافٍ لأن نُصبح سُعداء جدًا. الصداقة كلمة تحمل معانٍ عدّة أجملها التضحية من أجل الآخر، والتحرّر من الانطوائية، والاندماج مع الآخر..
وفي النهاية لا يبقى إلا الحب الحقيقي المجرد من المصلحة وقد صدق الشاعر إذ يقول:
فما كلُّ من تَهواهُ يهواكَ قلبهُ * ولا كلُّ من صَافيته لكَ قد صَفَا.