الدور الاجتماعي المفقود للصحافة! (2)
صحافة اليوم ينقصها دور اجتماعي مهم يعزز مكانتها ويزيد انتشارها بين الجماهير، هذا الدور الاجتماعي يتمثل فى قيام الصحف والمواقع الإلكترونية بدور الوسيط بين قارئها وبين الحكومة.. تنقل معاناة ومشكلات الطرف الأول وهو جمهورها المستهدف إلى الأجهزة المعنية.
وهذا الدور لعبته جريدة الجمهورية بامتياز قبل ربع قرن، حين استحدثت قسم الخدمات الصحفية المتميزة (139 جمهورية)، الذي شرفت بالاشراف عليه بتوجيه من رئيس مجلس إدارة وتحرير الجمهورية آنذاك..
مصداقية (١٣٩ جمهورية) وصلت لأعلى درجاتها؛ ذلك أنه كان يتلقى الأخبار والحوادث المختلفة في شتى القطاعات حتى قبل أن تعلمها الأجهزة المعنية ذاتها، وكان يجرى تحويل بعض الشكاوى إلى تحقيق صحفي مستمد من واقع الناس..
وهو ما يجعلني أقول باطمئنان إن كل من عمل بهذا القسم اكتسب الاحترافية والمهنية، والقدرة على تحويل مجرد شكوى بسيطة إلى خبر أو تحقيق أو تقرير صحفي، يثرى محتوى الجريدة ويزيدها قوة وانتشارًا والأهم مصداقية لدى المسئول والقارئ سواءً بسواء.
لقد كان (139 جمهورية) خدمة صحفية انفردت بها جريدة الجمهورية وقتها، وامتازت بها على سائر الصحف وقتها ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي والشرق الأوسط كله، وقد حافظ على تألقه حتى وقعت أحداث يناير 2011..
وكان مندوبو القسم ومحرروه خلية نحل يواصلون العمل ليل نهار دون كلل أو ملل؛ منهم من يتلقى شكاوى الناس واستغاثاتهم واتصالاتهم، مصغيًا باهتمام وبمتابعة دقيقة لمتاعبهم وأوجاعهم، ومنهم من كان يطوف بها على المصالح والأجهزة الحكومية والوزارات المختلفة ويطرق أبواب المسئولين بحثًا عن حق تأخر عن صاحبه، أو دفعًا لمشقة قد لا يطيقها ذوو الحاجة والأعذار..
وكيف تحولت تلك الشكاوى والاستغاثات إلى حملات صحفية عاجلة، حققت نجاحات باهرة شكلت قناة تواصل سريعة بين المسئول والمواطن، وهي شكاوى يومية كانت تنهمر لدرجة أنها يمكن أن تملأ صفحات 5 جرائد كاملة واستجابات تحتاج إلى مساحات كبيرة لنشرها، وهو ما نجح في خلق شعبية كبيرة لجريدة الجمهورية آنذاك..
ذلك أنها استطاعت مخاطبة جميع فئات المجتمع، وفي القلب منهم البسطاء والفقراء وأصحاب الحاجات؛ حتى أن الفكرة تطورت لتخصص باب الفرحة والأمل لأعمال الخير ومساعدة المحتاجين وتقديم العلاج المجاني لمن لا يقدر على شرائه بعد التأكد من حالة طالبي الخدمة بطرق موضوعية..
وقد وفر ذلك دعمًا ماديًا للأسر والأفراد الأكثر احتياجًا؛ إذ كان يسهم في تزويج اليتامى وعلاج الفقراء وتفريج الكرب عن الغارمين بسداد ديونهم، وقد تعاظمت الثقة في قسم الخدمات الصحفية لدرجة أن زمرة من رجال الأعمال والشركات بادرت للتبرع بمبالغ كبيرة للأعمال الخيرية عن طريق الجريدة، ناهيك عن إسهامات بعض الوزارات، وهو ما عكس الدور الاجتماعي والخيري للجمهورية جنبًا إلى جنب مع الدور التنويري والرقابي.
الخط الساخن للجمهورية امتاز بديناميكية عالية واكتسب زخمه من معطيات التكنولوجيا وكسبت فعاليته من إسمه ورقمه المختصر (ثلاثة أرقام فقط) وشكل علامة فارقة وإنجازًا تمثل في الاقتراب من القاريء وسرعة الاستجابة لمشكلاته وتقديم ما ينفعه، وتعميق الدور المجتمعي للجريدة، وهو ما زادها انتشارًا وتوزيعا..
ليتنا حافظنا على هذا الرقم المميز الذي ضاع على المؤسسة بعد أن تركت رئاستها وبعدما صنع نجاحات مشهودة.. وكانت له إسهاماته الحيوية في حياة الناس، وأزال عنهم همًا، ومهد للحكومة طريقًا لقياس الرأي العام الحقيقي وبوصلة استشعار لنبض الناس وأنينهم ومواجعهم ومدى رضاهم أو عدم رضاهم عن خدماتها وأداء مرافقها وموظفيها..
ولا أبالغ إذا قلت إن الجميع خسر بتوقف الخط الساخن عن الرنين.. فهل يأتي يوم يعيد الحياة لهذه الخدمة الصحفية التي سبقت زمانها؟! رأيي أن توظيف التكنولوجيا في خدمة الصحافة وجمهورها يحقق فوائد عظيمة لكل الأطراف ويبقى التنفيذ!