رئيس التحرير
عصام كامل

الشغف المفقود!

في الحياة حقائق لا نلمسها إلا إذا عشناها بأنفسنا؛ فلا يكفى مثلًا أن تقرأها في كتاب أو صحيفة كي تصدقها؛ فهي مسألة نسبية تختلف من شخص لآخر.. ومن تلك الحقائق أنك كلما تقدمت في العمر تصبح أقل انبهارًا، أقل شغفا، أكثر لا مبالاة، أقل حركة، غير مهتم بالتفاصيل، غير مهتم برأي الناس فيك، أكثر عصبية.. 

يضعف البصر وتقوى البصيرة.. تكثر الضحكات وتذبل الفرحة؛ فما كان يسعدك بالأمس يصبح مألوفا اليوم.. ولا تفكر إلا في صراعك مع الشيطان وكيف تنتصر عليه، أو مع النفس وكيف تهذب رغباتها واندفاعاتها!


يروقني كثيرًا ما قالته أحلام مستغانمي بأنه “كلّما تقدم بي العمر، تعلّمت أن أستعيض عن الناس بالأشياء، أن أحيط نفسي بالقراءة والكتب والروايات، فهي على الأقل لا تكيد لك، ولا تغدر بك. إنّها واضحة في تعاملها معك. والأهمّ أنّها لا تنافقك ولا تهينك، ولا يعنيها أن تكون زبّالًا أو جنرالًا”.


ويقول جبران خليل جبران: "كلما تقدمت في العمر فإنك تستصغر أمورًا كثيرة كانت تستهلك طاقتك ومشاعرك يومًا"، كلما كبرنا استصغرنا الأشياء والأحداث واكتسبنا القدرة على التغافل، فليس كل ما يعرف يقال، وليس كل ما يقال يستحق الرد والانتباه..
 

تزداد الحكمة كلما تقدم الشخص في العمر، فيهدأ الاندفاع ويتوقف الطيش، ويزداد التأني في القرار والفعل، ويزداد النضوج، وهذ سمة تجعلك تعيد ترتيب الأشياء والأشخاص والمواقف والقناعات.. حيث نرى الأشياء على حقيقتها دون تهوين أو تهويل.


أما أجمل ما قيل عن التقدم في العمر فهو قول: (مَن طال عمرُه، وحسُن عمله)، والحديث الشريف الذي يقول "إنَّ للهِ تعالى عبادًا يَضِنُّ بهِم عن القَتْلِ، ويُطِيلُ أعمارَهم في حُسْنِ العَمَلِ، ويُحَسِّنُ أرزاقَهم، ويُحْيِيهِمْ في عافيةٍ، ويَقْبِضُ أرواحَهم في عافيةٍ على الفُرُشِ، فيُعْطِيهِم مَنَازِلَ الشُّهَداءِ".. اللهم اجعلنا ممكن طال عمره وحسن عمله.


والسؤال: هل كل الناس سواسية في النظر للأشياء واستخلاص العظة والدروس من التجارب.. هل كل الناس قادرون على التعلم من التجارب، وهل تقدم العمر يسير دائمًا باتجاه تعاظم الخبرات ونضج التفكير أم أن عمر الزمن شيء وعمر العقل شيء آخر؟!

 


العمر مرآة نرى فيها حياتنا وحصيلة تجاربنا بوضوح.. كيف كانت.. وإلام صارت! يقول الكاتب الكبير وليم شكسبير "الدنيا مسرح كبير، وكل الرجال والنساء ما هم إلا لاعبون على هذا المسرح»..

كلما كبر العمر يكون الإنسان أكثر حرصا علي عائلته وأصدقائه، فإذا كانوا في رحلة سفر يظل متوترا ولا ينام حتي يتأكد أنهم وصلوا بالسلامة، وهكذا هم كبار السن في كل تعاملات الحياة.

الجريدة الرسمية