من غير خوف
في أحد الأحياء القديمة بالقاهرة، كان هناك محل صغير لتجارة الخردوات يمتلكه فكري. رجل بسيط وعصامي، بدأ من الصفر وأنشأ تجارته بجهد وتعب. كان يبيع الأدوات البسيطة والحاجات اليومية التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية، من مسامير ومفكات إلى مفاتيح وأدوات منزلية. على الرغم من بساطة تجارته، إلا أن المحل كان مصدر رزق أساسي له ولأسرته.
بدأ فكري يومه كعادته، يفتح المحل مبكرًا، ويجهز المكان لاستقبال الزبائن. كان ينظر إلى الشوارع المزدحمة التي تحيط بمحله، ويرى وجوه الناس المختلفة، البعض منهم يبتسم والبعض الآخر تظهر عليه علامات القلق والتوتر. في داخل قلبه، كان فكري يشعر بالقلق المستمر. الأفكار تتصارع في ذهنه، مثل: هل سأنجح في تجارتي؟ هل سأستطيع تأمين مستقبل أسرتي؟ كانت الأحمال تثقل كاهله، والقلق يسير معه كظله.
في أحد الأيام، بينما كان فكري مشغولًا بترتيب المحل وتنظيم البضائع، دخل عليه صديقه القديم، سامي. لاحظ سامي على الفور علامات القلق والتوتر على وجه فكري، فسأله بقلق: "ما الأمر يا فكري؟ يبدو أنك تحمل همومًا كثيرة."
تنهد فكري وأجاب بصوت منخفض: "أشعر أنني دائمًا أسير في درب القلق، ولكنني أبدًا لم أصل إلى الوجهة التي أريدها، السلام. كلما حاولت الاقتراب، أجد نفسي أبعد مما كنت." فهو كان يدرك حقيقة أن القلق دربًا إذا سرت فيه لن تصل للواجهة التي تحلم بها وهي السلام.
ابتسم سامي بحنان وقال: "يا صديقي، السلام لا يأتي من الهروب من القلق، بل من مواجهة الأمور بثقة وإيمان. يقول الكتاب المقدس: «لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ. وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.» (فيلبي 4: 6-7)."
بدأ فكري يأخذ بنصيحة صديقه، وأخذ يقرأ في الكتاب المقدس ويصلي طالبًا السلام من الله. تدريجيًا، بدأت الأمور تتغير في حياته. لم يتغير الوضع المالي فجأة، ولكن قلبه امتلأ بالسلام والطمأنينة. أدرك أن القلق لن يحل مشاكله، بل الإيمان والثقة بالله هما السبيل الحقيقي للسلام.
أصبح فكري يرى الأمور بشكل مختلف، وبات يشعر أن الله يرافقه في كل خطوة. أدرك أن كل تحدي يواجهه هو فرصة للتعلم والنمو. أصبح يبتسم أكثر، ويتعامل مع الزبائن بروح إيجابية ومتفائلة. لاحظ الزبائن التغيير في تعامل فكري، وأصبحوا يشعرون بالراحة عند التعامل معه، مما زاد من إقبالهم على محله.
في إحدى الأيام، جاء زبون جديد إلى المحل يبحث عن قطع معينة لإصلاح باب منزله. لاحظ فكري أن الزبون يبدو مستعجلًا ومتوترًا. حاول فكري مساعدته بأفضل ما يستطيع، وقدم له النصائح والإرشادات اللازمة. بعد أن انتهى الزبون من شراء ما يحتاج، توقف لحظة وقال لفكري: "أشعر براحة غريبة عند التحدث معك. لديك هدوء وسلام ينعكس في كلامك وتصرفاتك."
ابتسم فكري وقال: "هذا السلام هو من الله. تعلمت أن أضع همومي وقلقي بين يدي الله، وهو يمنحني السلام الذي يفوق كل عقل."
أدرك فكري أن السلام الذي يبحث عنه لم يكن بعيدًا، بل كان دائمًا قريبًا منه. لم يكن بحاجة إلى السير في درب القلق، بل كان عليه فقط أن يثق في الله ويضع همه عليه. والله لن يتركه بل سيمنحه سلامه الذي لا يستطيع العالم أن يسلبه منه كما يقول الكتاب المقدس: «سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ.» (يوحنا 14: 27).
وهكذا، تعلم فكري درسًا ثمينًا، أن السلام الحقيقي يأتي من الله، وأنه يمكن أن يعيش بسلام حتى في وسط التحديات والضغوط. أصبح فكري يشجع الآخرين على الإيمان والثقة بالله، ويرى في كل يوم فرصة جديدة لنشر السلام والمحبة في العالم من حوله.
والآن يظل القرار أمامك وأمامي، هل سنعيش في ظلال القلق والخوف ونظل محبوسين في شباكهم وتظل قلوبنا تنزف قلقًا، أم سندرك حقيقة أن دروب الخوف لن تصل بنا إلى أي واجهة غير القلق وأن الطريق الحقيقي حتى نصل للسلام هو أن نسير في درب الله ومعه.
للمتابعة على صفحة الفيس بوك: @Dr.PaulaW