رئيس التحرير
عصام كامل

خِفَّةُ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ

في عالمٍ مليء بالتحديات والصعوبات، يجد الإنسان نفسه في مواجهة مستمرة مع الضيقات التي تأتي في مختلف الأشكال والأوقات. تلك الضيقات التي قد تبدو لنا غير محتملة ولا نهاية لها. لكن الله في حكمته ومحبة تفوق فكرنا البشري المحدود يقدم لنا تذكيرًا عميقًا في كتابه المقدس إذ يقول: "لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا" (2 كورنثوس 4: 17). لنستعرض كيف يمكن لهذه الآية أن تكون منارة أمل وإيمان من خلال قصة توماس.

 

كان توماس شابًا يافعًا يعيش في إحدى القرى الصغيرة. نشأ توماس في عائلة متواضعة، وكان والده يعمل في الحقول بينما كانت والدته تدير المنزل بحب وتفانٍ. فقد توماس والده عندما كان صغيرًا، وكان لهذا الحادث تأثير كبير عليه وعلى عائلته. بدأت والدته في العمل لإعالة الأسرة، مما جعل توماس يشعر بالمسؤولية الكبيرة في سن مبكرة.

 

في سن الخامسة عشرة، بدأ توماس العمل في متجر صغير ليعيل أسرته. كان يعمل من الفجر حتى المغيب، محاولًا توفير ما يكفي من المال لعلاج والدته المريضة. ومع مرور الوقت، بدأت ضغوط الحياة تتراكم عليه، وأصبح يشعر بالإرهاق والتعب الدائم.

 

في أحد الأيام، بينما كان توماس عائدًا إلى منزله بعد يوم طويل من العمل، جلس تحت شجرة في حديقة صغيرة لينال قسطًا من الراحة. كانت أفكاره مشوشة وقلبه مثقل بالهموم. تساءل في نفسه: "لماذا يجب أن أتحمل كل هذا الألم؟ هل هناك نهاية لكل هذه المعاناة؟"

 

بينما كان مستغرقًا في أفكاره، اقترب منه رجل مسن يحمل في ملامحه حكمة وتجارب السنين. جلس بجانب توماس بهدوء وسأله: "ما بك يا بني؟ أرى في عينيك حملًا ثقيلًا.". تنهّد توماس وقال: "أشعر أن الحياة تزداد صعوبة يومًا بعد يوم. لا أرى نهاية لهذه المعاناة. أشعر باليأس والإحباط.".

الإيمان والصبر

ابتسم الرجل المسن وقال: "يا بني، لقد مررت بما تمر به الآن. تعلمت من خلال تجربتي أن الله لا يتركنا وحدنا في ضيقاتنا. هل قرأت من قبل في الكتاب المقدس: 'لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا'؟"

 

نظر توماس إلى الرجل المسن بتعجب وقال: "نعم، لقد قرأتها، لكن لم أفهمها حقًا.". أجابه الرجل المسن: "يا بني، الله يستخدم الضيقات ليشكلنا ويقوينا. كل معاناة نمر بها هي مؤقتة، وحتى لو بدت ثقيلة، فإنها تعمل لصالحنا. الله يعدنا بمجد أبدي يفوق كل تصور، وإذا تمسكنا بالإيمان والصبر، سنجد أن هذه الصعوبات ليست إلا مرحلة في طريقنا نحو هذا المجد."

 

كانت كلمات الرجل المسن بمثابة بلسم على جراح توماس. شعر بنورٍ جديد يدخل قلبه، وأدرك أن ما يمر به ليس نهاية، بل بداية رحلة نحو مكان أفضل. وعاد توماس إلى بيته بنظرة جديدة على الحياة. بدأ يرى في كل صعوبة فرصة لتقوية إيمانه وصبره.

 

كلما واجه تحديًا جديدًا، تذكر كلمات الرجل المسن والآية التي تحدثت عن خفة الضيقات. وبدأ يشعر بأن ثقله أصبح أخف، وأن الطريق نحو المجد الأبدي يستحق كل تلك الضيقات.

 

بدأ توماس في مشاركة تجربته مع الآخرين. كان يقابل أصدقاءه وزملاءه في العمل، ويخبرهم عن حكمته الجديدة وعن الآية التي غيرت حياته. كان يقول لهم: "أيها الأصدقاء، لا تستسلموا أمام الصعوبات. تذكروا أن كل ضيقة هي مؤقتة وأن الله يعدنا بمجد أبدي. إذا تمسكنا بالإيمان والصبر، سنجد أن تلك الضيقات كانت مجرد محطة في طريقنا نحو السعادة الأبدية."

 

هكذا، تعلم توماس أن الحياة مليئة بالضيقات، لكن الله لا يتركنا وحدنا. إذا تمسكنا بكلمته ووثقنا في وعوده، سنجد أن ضيقاتنا الوقتية ستنشئ لنا مجدًا أبديًا. فلنستمد القوة والإيمان من كلمة الله، ولنتذكر دائمًا أن الضيقات ليست نهاية، بل هي بداية طريق نحو مجد لا يوصف.

 

 

بهذا، نتعلم من قصة توماس أن الإيمان والصبر هما مفتاح تجاوز الصعوبات. الله لا يتركنا وحدنا في ضيقاتنا، بل يرافقنا ويعدنا بمجد أبدي يفوق كل تصور. فلنتمسك بإيماننا ولنثق في أن ضيقاتنا الوقتية ستنشئ لنا مجدًا أبديًا.
للمتابعة على قناة التليجرام: @paulawagih

الجريدة الرسمية