صدمات سماوية
في زحمة الحياة وضوضائها، قد نجد أنفسنا أحيانًا متشبتين بروتين يومي ممل، ونغفل عن المعاني العميقة التي تملأ الحياة وتربطنا بالسماء. وأحيانًا تأتي الصدمات لتكون مثل نسمات رياح توقظ الروح الغافلة، فالله، برحمته الواسعة، قد يسمح بوقوع صدمات كبيرة في حياتنا، ليس لإيذائنا، بل ليوقظ أرواحنا النائمة ويقربنا أكثر إليه وإلى ملكوته.
ففي رسالة معلمنا بولس الرسول إلى أهل كورنثوس الثانية 4:17-18، يقول: "أَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا. وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ."
فلو أردنا أن نفهم أكثر من خلال قصة أحد الأشخاص وكان يُدعى آبرام، عاش حياة مليئة بالنجاحات والإنجازات الدنيوية. كان يملك كل ما يتمناه الإنسان من مال وجاه وسلطة. كل من حوله كان يحسده على حياته المترفة، ولكنه، في غمرة انشغاله بجمع الثروات، نسى آبرام جوهر الحياة الروحي وابتعد عن الله. لم يعد يخصص وقتًا للصلاة أو التأمل في كلام الله، وابتعد عن الحياة الروحية.
ولكن في يومٍ من الأيام، حدثت له حادثة كبيرة، خسر فيها كل ممتلكاته وأصيب بجروح بالغة. جلس آبرام في سريره بالمستشفى، مستعرضًا حياته، متسائلًا عن سبب هذه الصدمة الكبيرة. شعر بالضياع والحيرة، ولم يجد من يواسيه أو يرشده إلى الطريق الصحيح.
بينما كان يتأمل، تذكر آبرام آية من الكتاب المقدس قرأها في صغره: "يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ، مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقْ، أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ." (مزمور 91:15). أدرك آبرام أن هذه الحادثة كانت دعوة من الله ليعود إلى الطريق الصحيح، ليعيد ترتيب أولوياته، ويقترب من الله بقلبٍ نقي ومتواضع. بدأت دموع التوبة تسيل من عينيه، ورفع يديه إلى السماء، طالبًا الغفران وفرصة جديدة ليبدأ من جديد مع الله.
بعد تعافيه، لم يعد آبرام يركز على الأمور المادية بقدر ما يركز على علاقته بالله ومساعدة الآخرين. أدرك أن هذه الصدمة كانت نعمة مستترة، فتحت عينيه على الحقيقة الأبدية وجعلته يعيش حياة مليئة بالسلام الداخلي. قرر آبرام أن يخصص وقتًا يوميًا للصلاة والتأمل في الكتاب المقدس، وأن يساعد الفقراء والمحتاجين من حوله. وجد في خدمة الآخرين سعادة لم يشعر بها من قبل، وأصبح يعيش حياته بروح جديدة مملوءة بالإيمان والمحبة.
الله، برحمته ولطفه، قد يسمح بوقوع صدمات كبيرة في حياتنا، ليس كعقاب، بل كدعوة للاستيقاظ والعودة إلى الطريق الصحيح. هذه الصدمات هي فرصة للتأمل في جوهر الحياة وإعادة ترتيب أولوياتنا لتكون متوافقة مع مشيئة الله. فالحياة ليست فقط في جمع المال أو تحقيق النجاح الدنيوي، بل في بناء علاقة قوية مع الله والعيش وفقًا لتعاليمه.
إخوتي، لا تخافوا من الصدمات، بل اعتبروها دعوة من الله لتقتربوا أكثر إليه. كما يقول الكتاب المقدس: "قَرِيبٌ هُوَ الرَّبُّ مِنَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، وَيُخَلِّصُ الْمُنْسَحِقِي الرُّوحِ" (مزمور 34: 18). فالله لا يتركنا وحدنا في أوقات الضيق، بل يكون بجانبنا، يهدينا ويقوينا لنواجه التحديات بثقة وإيمان.
الصدمات قد تكون في كثير من الأحيان وسيلة إلهية لتوجيهنا نحو الأفضل، لفتح أعيننا على الحقائق التي غفلنا عنها، ولتعليمنا دروسًا قيمة في الحياة. فإن الله يستخدم الصعاب والأزمات لتطوير شخصياتنا، ولتعميق إيماننا، ولتقريبنا منه. قد نشعر بالألم والحزن في البداية، ولكن إن نظرنا بعمق، سنجد أن كل صدمة هي فرصة لنمو الروحي والتجدد.
فلنفتح قلوبنا لله، ولنقبل دعوته بكل تواضع، لأن في الصدمات يقظة، وفي اليقظة حياة جديدة أقرب إلى السماء. دعونا نتعلم من تجربة آبرام، ونتذكر دائمًا أن الله معنا في كل خطوة، يحمينا ويرشدنا، ويحول كل صدمة إلى بركة.
للمتابعة على قناة التليجرام: @paulawagih