طوق النجاة (2)
إذا كنت ممن يستهينون بجبر الخاطر ومردوده العظيم على حياتك أولا ثم على حياة من حولك، وبالأخص من تجبر بخاطرهم.. فإني أحيلك إلى مثال عملي يضربه الدكتور حسام موافي أشهر أطباء الباطنة في مصر، الذي يروي قصة تلخص فضائل جبر الخواطر.. يقول: “ذات يوم اتصل بي فضيلة الشيخ الشعراوي لكي يحجز للكشف عندي؛ فردت عليه قائلا: لا والله يا مولانا أنا اللي حجيلك لحد بيتك”..
قام الدكتور موافي بالكشف على الشيخ الشعراوي ثم سأله: ما أفضل عمل أتقرب به إلى الله يا مولانا.. فقال له الإمام: خمن.. فقال الدكتور موافي: الصلاة، الصيام، الحج، العمرة فقال الشيخ: لا.. فأعاد عليه السؤال: ما أفضل عمل أتقرب به إلى الله.. فقال الشعراوي: جبر الخواطر.. فتعجب الدكتور موافي ثم قال: ما دليلك يا مولانا؟!
فردَّ الشيخ قائلًا: إنه لا يوجد شخص ملعون أكثر من الشيخ الذي لا يؤمن بالله ورسوله.. يقول الله عز وجل: "أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ".. شايف اللي بيكذب بالدين بيعمل إيه، “فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ”، يعني بيكسر خاطر اليتيم، “وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ”.. “فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ”.. فجبر الخواطر جاء مرتين قبل الصلاة..
اقتنع الدكتور حسام موافي بكلام الشعراوي وانصرف وعزم على أن يعمل بتلك النصيحة.. وفي يوم من الأيام وبعد أن غادر المستشفي تذكر مكالمة جاره يطلب إليه فيها زيارة حماته ليطمئن على صحتها، فاحتار الدكتور موافي بين أن يذهب إلى بيته أو يعود ويجبر خاطر جاره..
وتذكر كلمات الشيخ الشعراوي وعاد بالفعل ليجبر خاطر جاره وعندما رجع للمستشفى أصابته جلطة أثناء وجوده بالمستشفى وأحاط به الأطباء وحصل على العلاج المناسب خلال دقيقتين.. يضيف الدكتور حسام إن تلك الجلطة لو كانت أصابته في مكان آخر غير المستشفى لكان مات بعد دقائق لأنه لا يوجد شخص يتحمل جلطة في الشريان التاجي بالذات لمدة تزيد على 5 دقائق.. وكأن الله قد كافأه لأنه عاد لكي يجبر بخاطر جاره فأنقذه الله من تلك الجلطة بسبب ذلك.
هذه الواقعة الحقيقية تحضرني دائمًا كمثال حي في أهمية جبر الخواطر وهي تدعونا ببساطة للتمسك دائمًا بجبر الخواطر في حياتنا، فالحياة بأكملها لا تساوي شيئًا مقابل إدخال فرحة إلى قلوب من حولك حين تقوم بجبر خاطرهم.
فأي خيرٍ أعظم عند الله من جبر خواطر الناس؛ وقد ورد في الحديث النبوي الشريف “قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تَدْخِلُهُ عَلَى مُؤْمِنٍ: تَكْشِفُ عَنْهُ كَرْبًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَيْنِ فِي مَسْجِدٍ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رِضا، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا لَهُ، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ، وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ لَيُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ”.
وهكذا فمن يسعي لجبر خاطر غيره ينقذه الله من أي سوء أو أذى قد يتعرض له حيث يرد الله للعبد ما قدمه ويزيد عليه ثوابًا عظيمًا جزاء ما صنع.
وليس صحيحًا ما يفهمه كثير من الناس عن الدين الذي يرونه مجرد عبادات لا تنتج شيئًا في حركة الحياة، وإلا فماذا يقولون في حديث المفلس الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وحج، ثم يأتي وقد شتم هذا وضرب هذا فيأخذ من حسناته وهذا من حسناته حتى إذا فنيت حسناته أُخذ من سيئاتهم، ثم طُرح في النار فهل نفعته صلاته وزكاته وصيامه وحجه مع سوء معاملة الغير والاعتداء عليهم.. هل حقق الغاية المرجوة من الإسلام وهي أن يسلم المجتمع من لسانه ويده.
والسؤال: لماذا تتعاظم أهمية جبر الخواطر.. في مثل هذه الأيام؟! والجواب ببساطة أنه في الأيام الصعبة تشتد حاجة الناس للعون والمواساة وجبر الخاطر، حتى ولو بكلمة طيبة أو بابتسامة صافية تخرج من القلب فتريح القلب وتخفف المتاعب..
وجبر الخواطر درجات أعلاها تفريج الكرب ومد يد العون للفقير والمحتاج والمريض والمنكوب وكل ذي حاجة.. ومثل هذا الفعل النبيل لا يصدر إلا عن نفس نبيلة عالية الهمة تنطوي على مروءة وسمو أخلاق وقوة إيمان.
أما لماذا جبر الخواطر مهم؟! جبر الخواطر يفعل فعله في النفوس، فتطيب به القلوب وتتسامح وتقوى به العلاقات الاجتماعية وتتصل الأرحام؛ فالأقربون أولى بالمعروف وأحق به من غيرهم وخير الناس خيرهم لأهله، من هنا يبدأ بناء العلاقات السوية.. فإذا لم يكن للإنسان خيرٌ في ذويه وأقاربه فكيف تنتظر منه أن يبذل هذا الخير للغرباء أو لمن لا تجمعه بهم صلة أو رابطة؟!
الصدقة على الفقراء خصوصًا الأقارب من غير منٍّ ولا أذى خبر للخاطر.. رأفة الطبيب بمرضاه وتوفير ما يحتاجون من دعم نفسي ثم التواضع لهم والتبسط معهم من أعلى مراتب جبر الخواطر في رأيي؛ فالمرض من أعظم المحن لأنه سلب لأغلى النعم.. والمريض يكون في أضعف حالاته ساعة المرض، وهو أحوج ما يكون للرأفة وتطييب الخاطر..
إن إحساس صاحب العمل أو المدير بمن يعملون معه والتلطف بهم وتقبل أعذارهم إن كانوا ذوي عذر حقيقي هو جبر للخواطر.. وتوقير الكبار جبر لخواطرهم.. العطف على الصغار جبر لخواطرهم.. زيارة المريض جبر لخاطره.. تقديم واجب العزاء لمن فقد عزيزًا هو جبر للخاطر.
لا تبخل بجبر خاطر الآخرين حتى لو كنت مهمومًا أو مشغولًا.. فمن فرّج عن أخيه كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.. فالدين المعاملة وحسن الخلق أعلى مراتب الفضيلة.. ويمكننا بأشياء بسيطة أن نسع الناس ليس بالأموال والصدقات فحسب بل بقول معروف ومغفرة وتسامح وابتسامة صافية حانية.. فجبر الخواطر ببساطة يعني رفع معنويات الشخص وتهوين مصيبته والأخذ بيديه حتى يجتاز محنته بنصيحة صادقة ودعم مخلص لا يبتغي إلا رضا الله.
جبر الخواطر يتطلب التجرد من الشح والبخل وهوى النفس، وهو مقام لا يقل أهمية عن العبادات التي هي عماد الدين؛ بل لعل جبر الخواطر في حالات الضيق والكرب أعظم مثوبة عند الله لما يتركه من أثر إيجابي في المجتمع يحميه من جرائم الحقد والحسد والغل والكراهية.
عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، وكما تعامل أصدقاءك بكرم وتساعد زملاءك في العمل مهما تكن شواغلك.. فلا تبخل على زوجك/ زوجتك بشيء يحبه وعندما ترى طفلًا فقيرًا في الشارع فبادر بإعطائه ما تيسر من مالك.. وعندما ترى شخصًا يائسًا أو محبطأ فترفَّق به وادعمه حتى ينتصر على تحدياته فأنت ترفع راية جبر الخواطر.
وفي المقابل فإن كسر الخواطر ليس شيئًا هينًا فذلك كفيل بأن يحول حياة الناس إلى جحيم.. فمثلًا شخص ما يرسم رسمة بسيطة فإذا قلت له إنها سيئة وإنه غير موهوب فقد يترك الرسم ولا يعود إليه مرة أخرى، لأنك كسرت خاطره، ولكن إذا فعلت العكس وشجعته بكلمة طيبة وأسديت إليه نصحًا جميلًا فقد يطور نفسه ويصير فنانًا موهوبًا..
فمن يصدق مثلا أن أديسون مكتشف المصباح الكهربي كان تلميذًا فاشلا في مستهل دراسته ثم صار نابغة بفضل تشجيع معلمته التي جبرت خاطره.
ولا عجب والحال هكذا أن يقال إن صنائع المعروف تقي مصارع.. هذا ما يتحقق بقول الله العزيز الحكيم: “وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ” (آل عمران: 115).. وكما أن الحسنات يذهبن السيئات.. فإن جبر الخواطر يزيل الوحشة ويلين القلوب ويغسل النفوس من أدرانها.. فاغسل قلبك بجبر الخواطر.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا