رئيس التحرير
عصام كامل

فلِيَرْمِها بحجر

أرى بعض الأقلام والحناجر وقد صوبت سهامها وفوهات مدافعها تجاه الطبيبة صاحبة الفيديو الأشهر في الأيام الأخيرة.. أنا لا أعرف هذه الطبيبة ولا تربطني بها أي صلة ولم أكن يوما من مرتادي عيادتها، ولست في موقع هجوم على منتقديها أو الدفاع عنها.. إنها فقط محاولة لسرد وقائع كانت أولى بشن حملة على نفس قدر الشراسة التي وضعت الطبيبة تحت براثنها.. هي محاولة لطرح الأسئلة ليس أكثر..


ولنبدأ بالسؤال هل أخطأت طبيبة كفر الدوار؟ الإجابة نعم ولكن في ماذا؟ أخطأت لأنها جعلت من نواياها الحسنة في دق جرس إنذار من واقع تجاربها سوطًا لجلدها.. أخطأت عندما استخدمت كلمات غير لائقة.. أخطأت عندما جعلت من تلقائية الحديث وعفوية الكلام أداتين لإدانتها قانونًا وتغافلت عن أنهما لا يستخدمان إلا بحذر وكياسة.


على الرغم من ظهور بعض الأطباء في تخصصات مختلفة على الشاشات سواء كانوا ضيوفًا أو مقدمي البرنامج يحكون تجاربهم أيضا وعبارة -أنا مرة واحد جالي العيادة وحصل كذا وقال كذا-نسمعها منهم دون أن يطالهم هجوم أو حتى نقد والشاشة تدخل كل بيت.. 

أما الفيديوهات فهي في ظني تخضع للاختيار في رؤيتها من عدمه، ومن منا ينسى ذلك الطبيب الشهير الذي حكى في برنامجه عن مريضه المسن الذي صفعه ابنه على وجهه، وغيرها من الحكايات ولم نر أحدًا يقول إنه أفشى سر مريضه أو خرج على قواعد المهنة؟


ولكن ولنضع تحت ولكن هذه ألف خط.. هل من انبروا للهجوم على الطبيبة والتفتيش -وهي عادة مذمومة وكريهة- في صفحتها عن خطيئة أخرى ملائكة لا يخطئون أم أنهم أخذوا من صفات الملائكة أنهم يفعلون ما يؤمرون؟!


بدأ الهجوم على طبية كفر الدوار من برنامج على إحدى القنوات العربية واعتبر مقدمه أن الطبيبة أساءت للمرأة المصرية وأنها تعلن عن نفسها على جسد المصريات، وتلك المذيعة حضرتك على نفس القناة التي تخرج علينا بنصائح يرفضها كل عقل وعرف بل والرجال أنفسهم في أبهى صور الجهل بقيمة المرأة المصرية وتاريخها ودورها.. لم تسئ للمرأة المصرية بل وللمجتمع كله؟! وهل فيلم المصري الذي يسرق الحجاج والذي توقف بضغط شعبي هو الذي لا يهين المصريين رجالًا ونساءً أين كانت أصواتكم؟


لماذا لم نسمع صوتًا عندما ارتدت إحدى المذيعات ملابس خارجة عن كل عرف مجتمعي وقواعد المهنة بنفس درجة علو الصوت وحنجرته في الهجوم على الطبيبة، ومن أعطاكم الحق في التشكيك في مصريتها؟!


هل خروج أحدهم ليقول على نفس القناة إن القرآن الكريم لم يأت بنص صريح لتحريم الزنا مع أن لا الناهية في آية {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} وكما قال المعتدلون من علماء الدين أشد من أن يأتي لفظ التحريم صريحًا، هل هذا الذي تنشرونه في الناس هو الذي لم يهن المرأة المصرية والمجتمع أيضًا؟!

 

لم نسمعكم تحدثوننا عن المرأة المصرية التي ُتكْسَر كل يوم أمام أبنائها عندما لا تستطيع الوفاء باحتياجاتهم الضرورية، أو التي تعج بها أروقة محاكم الأسرة أو  أو  أو  وما أكثرها وأقساها؟!
لماذا لم نر منكم أصواتًا تهاجم من يطالبون عن جهل ليل نهار في مقالاتهم وبرامجهم على الهواء بمساواة المرأة بالرجل في الميراث ومطالبة أحدهم مجلس النواب بتعديل قوانين المواريث بالمخالفة لآيات قرآنية قطعية الثبوت قطعية الدلالة؟


أين كنتم وهم يتحدثون عن المساكنة ويجاهرون بذلك للدرجة التي خرج فيها أحدهم وقال ردا على سؤال هل تقبلها على ابنتك قال نعم.. لم تهاجموه بشراستكم التي نراها الآن؟ لماذا دائما تدافعون عن حرية الإبداع عندما تُعرض مشاهد عري وألفاظ خارجة وإيحاءات بذيئة وعلاقات محرمة في كل دين سماوي وعرف مجتمعي متعللين بأن إحدى أهم وظائفه التعبير عن الواقع وبنفس منطقكم هل ما قالته الطبيبة غير موجود في الواقع؟!

 


أين أنتم ممن يزيفون الواقع ويغيبون الوعي ويعبثون بكل قيمة.. وإذا فتحنا الباب لأين أنتم هذه سنقول ما لم ولن تحتمله الصفحات ويكفيه المداد وتستوعبه الأسئلة..
أيها السادة الخطأ فعل بشري سواء كان متعمدا أو عفويا، ومن كان منا بلا خطيئة فليرم الطبيبة بحجر.

الجريدة الرسمية