رئيس التحرير
عصام كامل

دموع في عيون جولدا

ذات صباح ظَنتْه مشرقا فإذا به كابوسًا وكارثة بحسب وصفها له.. اعتقدته عاديًا فتحول إلى صفعة مدوية على وجه متغطرس بقوة تحطمت تحت أقدام المصريين.. حسبته مجرد مناوشات عسكرية فأصبح واحدة من أهم المعارك العسكرية في القرن العشرين، وما زالت تفاصيله تدرس حتى اليوم..


في هذا الصباح ارتدت ملابسها واستقلت سيارتها متجهة الى مقر رئاسة الوزراء لتباشر مهام عملها اليومي وبداخلها قلق من احتملات هجوم مصري.. حاول أحدهم تهدأتها، وربت على كتفها قائلا لا تقلقي لن تكون هناك حرب، وأضاف رئيس أركانها ووزير دفاعها بأنهم مستعدون لأي هجوم.. 

 

هكذا كان حال رئيسة وزراء اسرائيل جولدا مائير في يوم 6 أكتوبر عام 1973 بحسب ما جاء في كتابها حياتي، الذي ترجمه عزيز عزميو صدر عن دار التعاون بعنوان شيق وهو: اعترافات جولدا مائير..

 

ولطالما عبّرت مائير عن كرهها للعرب قولًا وفعلًا بحملات دبلوماسية ضدهم وقت أن كانت وزيرة لخارجية الكيان الصهيوني الذي لقبها بأم إسرائيل الحديثة.

قبل الحرب كانت جولدا مائير قلقة من معلومات وصلتها في مايو 73 بأن هناك حشود وتعزيزات عسكرية على الجبهتين المصرية والسورية رغم أن رجال مخابراتها الأفذاذ أبلغوها بأن الأمر ليس بالمهم، واستحالة اندلاع حرب وأنها مجرد مناورات تحدث في مثل هذا الوقت من العام، مع تأكيدات من وزير دفاعها ورئيس الأركان أن جيشهم مستعد لأي هجوم.


لكن كل هذه التطمينات لم تستطع التخفيف من قلق جولدا الذي استمر حتى أكتوبر فاستدعت السفير الأمريكي لديها، ووصفته بأنه كان صديقًا حميمًا لإسرائيل وطلبت منه فعل أي شيء حتى لا تقع الحرب.

بعدها بيومين تقريبًا اجتمعت جولدا مائير بالحكومة وفجأة دفع سكرتيرها العسكري الباب ليقول لها إن الضربة العسكرية قد بدأت، وبدأ معها دوي صفارات الإنذار يجوب تل أبيب وبحسب وصفها كنا مع كل دوي نعاني سُحقًا نفسيًا، وتحجرت الدموع في عيني من هول المفاجأة، التي أربكتنا للدرجة التي استدعينا فيها الإحتياطي من كل مكان حتى المعابد، ومن فرط العجلة لم يستطع هؤلاء معرفة حتى وحداتهم العسكرية.


وفي إحدى ليالي أكتوبر 73 وبعد الهزيمة كانت جولدا مائير عائدة من مكتبها تسير وسط شوارع تل أبيب المظلمة وكل ما يدور بداخلها عقلًا ونفسًا سؤال لم تجد له إجابات ماذا ستقول للأهالي الذين يقفون كل يوم سائلين عن مصير أبنائهم هل هم قتلى أم أنهم ما زالوا أحياء ولكنهم مصابون أوأسرى؟

 

وتقول جولدا مائير في اعترافاتها إنها لم يكن لديها أي قوائم بأسماء الأسرى والموتى وإن مصر رفضت دخول بعثة الصليب الأحمر الدولي الى أراضيها للتفتيش عن هؤلاء وهو ما اعتبرته ورقة ضغط سياسي عليها.

في تلك الليلة تقول جولدا مائير: أقسمت بيني وبين نفسي على أن أبحث عن سلام مع العرب رغم لاءاتهم الثلاثة.. لا للاعتراف بنا.. لا للتفاوض.. ولا للسلام معنا.

 


ولأن الحق ما شهد به الأعداء فستظل اعترافات جولدا مائير بانكسارها ودولتها وجيشها في أكتوبر 73.. فصلًا مضيئًا في كتب التاريخ نحكي فيه لأبنائنا عن عظمة بلادهم.. وقوة شعبها.. وبسالة قواتها المسلحة، ورفض رجالها التفريط ولو في شبر من ترابها الحر.. 

سنقول لهم إن هذا الكيان الصهيوني سيظل عدوًا للشعوب العربية الرافضة لكل تطبيع.. المؤمنة بأنه نبتة شيطانية زُرِعت في أراضٍ مقدسة بموجب وعدٍ باطلٍ ممن لا يملك لمن لا يستحق.

الجريدة الرسمية