بالرولة والورنيش!
كثيرًا ما مررت عليهم في زياراتي التي لا تعد لدار الأوبرا مسارحًا ومكتبة موسيقية.. كانت هوايتي السير على كوبري قصر النيل أتنسم هواء التاريخ النقي.. أزين عينيّ بمشاهدة روائع الفن المعماري في وسط البلد.. أرسم في مخيلتي صورًا لزمان عريق تمنيت لو عشته.
كنت دائمًا ما أسأل نفسي ما كل هذه العظمة ولماذا لم نهتم بها الاهتمام الذي يليق بها، تاريخًا وعمارةً وإبداعًا.. ويبدو أن الإجابة جاءتني هذه الأيام بعد مرور سنوات وليتها لم تجيء.. فقد أفزعني مشهد تماثيل أسود قصر النيل بعد ما طالهما من صيانة لم يكن لها أية علاقه بعلم أو فن.
لمن لا يعرف كان المكان المقترح الأول للأسود الأربعة هو بوابتي حديقة الحيوان، ولكن عندما تولى الخديوي توفيق الحكم بعد خلع أبيه الخديوي إسماعيل أراد أن يُجَمَل الكوبري الذي يحمل اسم إسماعيل بهذه الأسود..
ويذكر التاريخ أن توفيق لقب بعد ذلك بأبي السباع، وفي ظني أن الخديوي إسماعيل صاحب فكرة التماثيل لو رأى ما حدث لهم الأن ولو كابوسًا في منام ما كان أمر بنحتهما في فرنسا، وما اختار المثّال الأشهر جاكمار وما كلفها 198 ألف فرنك.
ماذا فعلتم يا سادة وبأي حق وعلى أي أسس علمية؟! كيف لكم أن تشوهوا تاريخنا وعمارتنا؟! كيف تقتلونهما عمدًاومع سبق الإصرار؟! كيف تشوهون الفنون والحضارة والرقي بكل معانيه؟! رولّة وورنيش!
كيف فعلتم ذلك.. لقد أفزعني بيان نقابة التشكيليين من أنه تم استخدام الرولّة في طلاء التماثيل وهو ما يعد خطأً كبيرًا وأمرًا مخالفًا للقواعد العلمية والفنية، مما أفقد التماثيل قيمتها وأن صيانتها كتماثيل برونزية لا تتم بالطرق التقليدية أو استخدام الورنيش بحسب البيان الذي وصف لنا حجم الكارثة التي أراها وصلت إلى حد الجريمة التاريخية.
ما أثار شجوني أيضًا ما قاله رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية من أن تماثيل قصر النيل ليست في عداد الآثار المسجلة، وأن أعمال الصيانة وضعت طبقة عزل شفافة لحمايتها وأن أعمال التنظيف هذه جاءت بهدف إظهار الميادين بالشكل اللائق وإضفاء الشكل الجمالي والحضاري عليها..
عن أي جمال وحضارة تتحدثون؟! هل لابد أن يكون الأثر مسجلًا حتى نحميه ونجري له عمليات الصيانة والترميم على أسس علمية؟! من أعطاكم الحق في استخدام هذه المواد الملمعة، ومن أين أتيتم بها؟! وأي مواد عزل شفافة جعلت التماثيل على هذا النحو من التشويه والطمس لقيمتها؟! وأي خطة تزيين للميادين يكون نتيجتها كل هذا العبث ومن وضعها وهل من بينهم من رفض الرولّة والورنيش؟!
نعم لقد زينتم الميادين ولكنكم شوهتم التاريخ.. وطمتسم ملامح الفن الراقى.. وأفسدتم ما تركه لنا السابقون أمانةً..