إن الفجرَ لِمَنْ صلّاه
يحكي التاريخ أنه في عام 1943 وقف رئيس الوزراء مصطفى باشا النحاس في مجلس الشيوخ ليلقى بيانًا عن فكرة إنشاء جامعة الدول العربية، ثم اتصلت القاهرة ببقية العواصم العربية، وتم الاتفاق على عقد مؤتمر الإسكندرية عام 1944، والذي انتهى بمشروع ميثاق الجامعة التي تم إعلانها كيانًا مُعترف به في 22 مارس 1945.
وتم اختيار عبد الرحمن عزام باشا أمينًا عامًا لها بإجماع السبع دول الأُوَل المؤسسة للجامعة.. وفي كتابه المهم صفحات من المذكرات السرية لأول أمين عام للجامعة العربية، يقول عزام إنه عندما قَبِلَ المنصب تخيّل أن كلمة العرب ستتوحد وستقف ثابتة خلف الجامعة العربية، ولكن الواقع أثبت أن ما دار برأسه لم يتعد مرحلة الخيال..
وإذا به يجد عالمًا آخر يتصنع فيه البعض بطولات زائفة، ويفتعل البعض الآخر خلافات ومشكلات للدرجة التي أنه -وكما يقول عزام- إذا اختلف أحدهم مع رأي الأغلبية في اجتماع ما يخرج إلى الصحافة مصرحًا بتفاصيل المناقشات السرية..
أسرار وحكايات ومواقف سردها أول أمين عام للجامعة العربية في كتابه القيم والشيق أيضا، فكل سطر شاهد عيان على فرقة واختلاف.. وكل حكايه تُرْوَي تؤكد أنه ما أشبه اليوم بالبارحة..
بعد أن فرغت من قراءة الكتاب وجدت أنه فاتني وأنا أتابع أخبار الواقع العربي الآن أن أسال عقلي أين الجامعة العربية؟! فلم أقرأ لها خبرًا على شريط الأخبار منذ شهور لم أسمع لها بيانًا لم أجد اسمها في عناوين الصحف..
ولكنها فاجأتني منذ أيام بعقدها اجتماع طارئ لمناقشة الأوضاع في لبنان والذي اسْتُهِل بالوقوف دقيقة حدادًا على أرواح الشهداء، وفي ظني أن الحداد يجب أن يكون على حال الأمة العربية ومواقف جامعتها وأعني الموقف السياسي الفاعل والمؤثر والملزم، وليس كما قال الكاتب الساخر جلال عامر رحمة الله عليه: إن للجامعة العربية موقفًا كبيرًا يتسع لـ 150 سيارة..
لقد اعتدنا منذ زمن ليس بالقليل من الجامعة على بيانات ليس فيها إلا الشجب والإدانة.. على اجتماعات للبحث في كيفية المساعدة والدعم خالية من قرارات واجبة النفاذ، بآليات سريعة وفاعلة، وكأن الأمر يحتاج بحثًا.. على تنظير تجاوزه الواقع على الأرض.
الأرض التي ستظل تتكلم عربي كما قال عمنا فؤاد حداد أحد سادات شعر العامية.. الأرض بتتكلم عربي بتقول الله.. إن الفجر لمن صلّاه.. وصلاة فجر الحرية يؤديها وبخشوع رجال يقفون بكل ثبات أمام عدو محتل ومحتال، سقطت هيبته المزعومة على صخرة المقاومة الباسلة في غزة ولبنان..
صلاة فجر التضحية من أجل كل مبدأ تؤمها أرواح طاهرة لشهداء سالت دماؤهم الزكية دفاعًا عن أرض هي والعرض سواء.. صلاة فجر تَغَيُر خريطة موازين القوى، دُعاؤها ضربات موجعة في جسد العدو الذي تملأ صرخات ألمه، ورعب مواطنيه الشاشات ودخان صواريخ المقاومة سماوات هو يعقد حكامه اجتماعاتهم في مخبأ تحت الأرض مكانهم الحقيقي..
صلاة فجر ميلاد ألف مشروع شهيد كل يوم يولدون من أرحام طاهرة.. صلاة تُقام في الخلاء بجوار أنقاض بيوت ومدارس ومستشفيات ظن العدو أن بضربها على رؤوس ساكنيها من المدنيين سينتهي الأمر، وهو يجهل أن التاريخ والحق ومقاومة المحتل واسترداد الأرض لا يموتون تحت الأنقاض..