أنفع الأصدقاء وأوفاهم! (2)
سيظل السؤال المحوري: هل نحن شعوب تقرأ.. وإذا قرأت هل تستوعب وتطبق ما قرأته في سلوكها وتصرفاتها.. هل لا تزال أمتنا بوضعها الحالي قادرة على التغير واستعادة زمام المبادرة والإسهام الحضاري وامتلاك ناصية العلوم والتكنولوجيا؟!
كلما زادت قراءة الإنسان زادت حصيلته من المعرفة، واتسعت مداركه، وصار عصيًا على الاستقطاب والتوجيه وتغيرت سلوكياته وتنامت قدراته واتسع خياله؛ فلا شيء يمكن أن يبنى العقل السليم أكثر من القراءة الرشيدة النافعة وهذا أول درس تعلمناه من القرآن حين ابتدأ التنزيل بآية "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ".. فلو لم يقرأ الإنسان فكيف يتعرف على خالقه وعظمته وقدرته جل شأنه؟!
الكتاب صديق أمين مؤتمن، بل لعله يفضى إليك بأسراره ولا يفشي لك سرًا، ويمكنه إن أفسحت له وقتك وعقلك أن يغير مسارات حياتك للأفضل؛ فهو يمدك بالنصيحة حتى ولو لم تطلبها.. وهذا يتوقف على نوعية الكتب التي تقتنيها وتحرص على قراءتها.. فالكتب كما كل شيء فيها المفيد النافع والغث التافه..
فإحرص على ما يزيدك إدراكًا وفهمًا وعلمًا.. وهنا يثور سؤال: هل لا يزال من يعملون في مجال الثقافة والإعلام والصحافة يهتمون بقراءة الكتب وهل يجدون وقتًا لذلك.. هل يشعر جمهورهم بأن على درجة عالية من الثقافة والوعي والفهم الرشيد.. وأترك لكم الإجابة!
وأذكر حين توليت، لخمس سنوات، رئاسة تحرير كتاب الجمهورية الذي يصدر عن دار التحرير للطبع والنشر (الجمهورية) أن تكون تلك السلسلة منارة إشعاع للثقافة والمعرفة، وحرصت على إنتقاء إصداراتها بمعاونة صادقة من زملاء اجتهدوا في ذلك ما وسعهم الجهد، وعلى رأسهم الزميل عثمان الدلنجاوى الذي كان وقتها نائبًا لرئيس تحرير الكتاب.
وكنت حريصًا على نشر كتابين أو ثلاثة كل شهر، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ كتاب الجمهورية والمؤسسة، وكان الكتاب يحقق أرقام توزيع كبيرة تخطت أربعة آلاف نسخة للإصدار الواحد، وثمة كتب صدر منها أكثر من طبعة نظرًا لإقبال القارئ عليها أذكر منها كتاب الملك فاروق، وكتاب محمد نجيب، وقد حقق الكتاب آنذاك أرباحًا للمؤسسة لأول مرة، بعد كانت طباعته عبئًا يتسبب في جلب خسائر للميزانية.
وفي نهاية كل عام كنا نصدر ما يشبه الكتاب السنوي، الذي يرصد أهم أحداث العام التي شغلت الرأي العام، وأهم ما سطره الكتاب والمفكرون من مقالات حتى ولو كانوا من المعارضين للنظام.
الكتاب السنوي كان يقترب من ألف صفحة يصدر تحت عنوان أحوال وطن، وقد لقي أحد الكتب السنوية إعجاب المفكر الكبير والكاتب الصحفي اللامع أنيس منصور، فكتب عنه مقالًا مميزًا في عموده اليومي "مواقف" بالزميلة الأهرام بعد اندلاع أحداث يناير 2011، وتحديدًا في الرابع عشر من فبراير ذلك العام.
لقد كانت تجربة ثرية ومفيدة ومهما يكن زماننا مختلفًا بما يشهده من ثورة اتصالات وتكنولوجيا المعلومات فلا تزال الصحافة الورقية والكتاب المطبوع موجودًا، له جمهوره وسوف يستمر مصدر إلهام للقارئ المثقف.. وحتى في أعتى الدول تقدمًا فإننا عندما نسافر إليها نجد مواطنيها مهما علا شأنهم يقبلون على قراءة الكتاب في المترو وفي المواصلات العامة، ثم يتركونه نظيفًا سليمًا لمن يأتي بعدهم ليطالعه وتلك سمة الدول المتقدمة..
والسؤال هنا: هل يهتم أساتذة الجامعات عندنا بقراءة الكتب؛ ويفترض أنهم ملهمون لطلابهم وقدوة لهم يأخذون بأيديهم للعلم والمعرفة والإبداع؟ وهل يحرص الإعلاميون على القراءة ليكونوا مثقفين بحق يحملون مشاعل التنوير والثقافة، ويكرسون لحالة وعى حضاري بما يجب على المتلقين أن يفعلوه في زماننا؟!
صدقونى القراءة مفتاح التقدم وباب العلم وركيزة الحضارة.. وهى وحدها قادرة على إحداث التغيير المنشود في سلوكياتنا ونظرتنا للحياة.. فهل نعود للقراءة لنعيد للكتاب عصره الذهبي؟َ!