أنفع الأصدقاء وأوفاهم! (1)
هل لا تزال هناك رغبة في القراءة لدى الأجيال الجديدة في زمن الفضاء الإلكتروني والتواصل الاجتماعي.. وهل نملك بالفعل بيانات ومعلومات موثقة أو استطلاعات تبين اتجاهات جمهور القراء وتفضيلاتهم وميولهم.. وهل يمكن إعتبار نتائج محركات البحث على الإنترنت مؤشرًا لتلك التوجهات.. أسئلة كثيرة تحتاج لإجابات دقيقة من جهات الإختصاص ومراكز البحوث والجامعات وعلماء النفس والاجتماع؟!
لاشك أن قارئ اليوم غير قارئ الأمس، فلكل زمن معطياته وظروفه، لكن يجمعهما قاسم مشترك وهو حب القراءة والشغف بالمعرفة واقتناء الكتب التي تتناول موضوعات وقضايا مختلفة ذات طابع ثقافي متنوع؛ تمنح المتعة والسرور وتحرض العقل على التفكير والنقد وحرية الاختيار وتكوين المواقف والقناعات.. وهنا تتولد القدرة على التغيير والتطور وامتلاك ناصية المعرفة والتخلص من الجهل والسلبية والتواكل والخرافة.
وفي زمن السوشيال ميديا.. هل لايزال الكتاب أوفى صديق.. هل لا يزال كما كان في الزمن الجميل، غذاءً للعقل، ومستودعًا للعلوم والمعارف، ومخزون التجارب الإنسانية والأفكار والخواطر التي تصنع أي تغيير حقيقي في ثقافة الأفراد ومصائر الشعوب.
في ثقافتنا العربية حفاوةٌ كبيرةٌ بالكتاب؛ وقد وردت آيات قرآنية عديدة تعلى من قدره، وتقرنه بالقوة والعزة تارة، والنور والهدى واليقين تارة أخرى يقول الله تعالى:"يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا".. ويقول أيضًا "الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ" ويقول تعالى " وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا".
الكتاب مصباح للحاضر، ونافذة للمستقبل، به تتغذى العقول وتتلاقح الأفكار وتتقدم الدول وتزدهر الحضارات، وما عرفت الحضارة العربية أوج مجدها وازدهارها إلا حين احتفت بالعلم وجعلت الكتاب في صدارة أولوياتها، وقد علمنا من كتب التاريخ أن الخليفة العباسي هارون الرشيد كان يعطى لمن يترجم كتابًا في العلوم من اللغات الأجنبية إلى العربية وزنه ذهبًا!
هذا غيض من فيض تراثنا وتاريخنا مع الكتاب تكريمًا وتقديسًا.. فماذا عن زماننا.. هل لا يزال الكتاب، مطبوعًا كان أو إلكترونيًأ، على عرشه ملكًا متوجًا يحظى بالعناية والتقدير.. هل لا يزال يلقى الحفاوة والتقدير أنفسهما.. أم أنزلته السوشيال ميديا عن عرشه، وألقى به غلاء مستلزمات الطباعة في غياهب النسيان والإهمال؟!
وماذا عن مكتبة الأسرة التي جعلت الكتاب وكنوز المعرفة في متناول الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل في زمن مضى.. وهل لا تزال معدلات المقروئية في أحسن حالاتها أم تراجعت وتدنت وصارت هي الأخرى شيئًا من الماضى الذي نتغنى به؟!
الكتب عصارة فكر وتجارب يكتبها علماء متخصصون، أو أشخاص ناجحون يروون تجارب نجاحهم وقصص كفاحهم وخلاصة أفكارهم وكيف رفضوا الاستسلام لعقبات واقعهم أو التفريط في طموحاتهم وأهدافهم المرسومة وأحلامهم التي دعبت خيالهم.. فهي بهذا المعنى ملهمة للأجيال!
هناك من يهوى الكتب طلبًا للمتعة والسرور؛ ذلك أن القراءة تجلب لصاحبها متعة غير التي تجلبها مشاهدة الأفلام وممارسة الألعاب؛ فهى -أي القراءة- تنقل قارئها من عالم ضيق إلى عالم أكثر رحابة واتساعًا يعرض عليهم من قصص الحياة ومواقف التاريخ ما يعين على فهم الحاضر والتعامل مع تحدياته وما أكثرها في زماننا!
ويبقى أن الكتاب أوفى صديق وأنفع رفيق؛ صحبته نافعة وهجره خسارة للعقل والروح والوجدان.. وإلا ما نزلت أول آية في القرآن بقوله تعالى: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ”.. فهل ما زلنا أمة اقرأ؟!