رئيس التحرير
عصام كامل

أخطر ما كتبه الجمسي

في مذكراته التى نشرت طبعتها الأولى في عام 1989م عن الهيئة العامة للكتاب، اختار المشير محمد عبد الغنى الجمسى أن يبدأ حديثه عن نصر أكتوبر من نقطة دراسة أسباب الهزيمة، أو ما أطلق عليها نكسة يونيه 1967م ليضع الناس فى منطقة تفاصيل الانكسار التى جرت وقائعها قبل موعد النكسة بسنوات.

 

وعلى صفحة قبل المقدمة يزينها الجمسى بعبارة عميقة قالها الرئيس الشهيد محمد أنور السادات عليه رحمة الله «لم يخامرنى شك في أن هذه القوات كانت من ضحايا نكسة يونيه ولم تكن أبدا من أسبابها» وهى مصكوكة أدبية عسكرية بليغة توحى بما جرى للجيش وما جرى فيه وبه.

 

يطالعنا الجمسى- عليه رحمة الله- بمعلومات وفيرة وبلغة بسيطة حول تفاصيل انشغال قادة بما لا يجب أن ينشغلوا به قبل النكسة بسنوات، ويمضى بنا إلى دقائق مهمة في حرب اليمن، ويمر مرورا مركزا وبمشرط جراح يضع قارئه أمام الحالة الشاملة للقوات المسلحة.

 

يقول الجمسى في بعض فقرات مذكراته: إن العام 1967م كان أسوأ الأعوام في قضية التدريب، حيث انخفض مستوى التدريب إلى أقل مستوى بقرار من القيادة العامة، إضافة إلى أن إعلان حالة التقشف قبلها كان وراء أزمات خطيرة حول وضع قواتنا المسلحة على الأرض.

 

ويعدد مناطق النقص في معدات وتسليح الجيش، فيذكر على سبيل المثال إن نقص الأسلحة الصغيرة بلغ 30٪ وقطع المدفعية 24٪، أما دبابات التعاون الوثيق فقد بلغ النقص فيها 45٪، وفى الحملة الميكانيكية كانت الطامة كبرى حيث وصلت نسبة النقص من 40-70٪.

 

وانشغال قادة من الجيش بأمور مدنية أو غير ذات علاقة بالجيش كان من التفاصيل التى انشغل بها رجل عسكرى من طراز فريد مثل الجمسي، حيث أشار إليه في غير موضع من مذكراته، مؤكدا أن هذا الانشغال أو التورط فى أمور ليس لها علاقة بالجيش كان مزعجا للقادة المهتمين بما يجرى حولنا.

 

والجمسى انتفض ضد ما جرى في العام 1967م وبلغت انتفاضته قمتها عندما تقدم باستقالته من القوات المسلحة معلنا أنه يجب على الجيل الجديد تحمل مسئولياته والقيام بما فشلنا فيه، لكن  عبد الناصرتلقى تلك الاستقالة بالرفض، مؤكدا حاجته إلى المخلصين من أمثال الجمسى لإعادة بناء الجيش وهو ما كان بالفعل.

 

يبدأ الجمسى في سرد حكايته مع إعادة البناء وصعوبتها وملازمة ذلك بإرادة إيمانية عفية، وقيادة ترغب في العودة إلى الأصول العلمية والفنية في عملية إعادة البناء، وكيف تلاحم ذلك مع الإرادة الشعبية التى رفضت الهزيمة، وساندت جيشها بكل غال وثمين، لتبدأ حكاية واحدة من أعظم الانتصارات الإنسانية في التاريخ البشري.

 

تذكرت كلمات القائد الفذ محمد عبد الغنى الجمسى خصوصا في إعادة بناء الفرد والعقيدة والإيمان، بأن بلدا مثل مصر لابد وأن تحوز وتحظى بجيش يليق بتاريخها النضالى من أجل التحرر ورفض الظلم والاستعمار، عندما كنت حاضرا احتفالية جيشنا بتخريج دفعة جديدة من أبنائه في مختلف الكليات العسكرية بالكيان الجديد فى العاصمة الإدارية.

 

لم تكن هناك إشارات مباشرة حول ما يجرى حولنا، غير أن ما ظهر في سماء العرض من عروض لأبناء مصر من القوات الجوية وقوات الصاعقة وأبطال المظلات، وما جرى في أرض العرض العسكرى كان من أبلغ الإشارات إلى حضور جيشنا باعتباره قوة حامية لابد لمن تسول له نفسه شيئا أن يفكر مليا قبل الإقدام على خطوة انتحارية!

 

 

وقد حظى احتفال هذا العام بحضور دفعة كلية الشرطة هذا العام، في إشارة واضحة إلى أن حماية البلاد لها رافدان كلاهما يكمل الآخر، وبدا هذا واضحا من العرض العسكرى الذى لم يكن مفاجأة، فقد عهدنا هذا الانضباط من خريجى المدرسة العسكرية المصرية، سواء كانت في جيشنا أو شرطتنا.. عاشت مصر بأبنائها المخلصين وعاش شعبها كريما عزيزا أبيا.

الجريدة الرسمية