رئيس التحرير
عصام كامل

إذا غابت مصر لم يحضر أحد!

إذا غابت مصر لم يحضر أحد، تلك هى الحقيقة التى تثبتها الأحداث التاريخية المهمة في منطقتنا العربية، وغياب مصر يعنى غياب العرب كل العرب، وتعب مصر يلقى بظلاله على الأمة العربية كلها، وعافيتها قوة للأمة كلها، وتاريخيا كان إبعادها أو استبعادها أو غيابها كارثة على الأمة كلها.

 

والسؤال الآن: هل غابت مصر عن المشاهد الدموية في منطقتنا العربية؟ وهل كان لغيابها أثر على حيوية الشارع العربى ودبلوماسيتها وتأثيره على الأحداث وتغيير بوصلتها ووضع الأمور في نصابها السليم؟ كل هذه الأسئلة تطرح نفسها مع تمدد العدوان الصهيوأمريكى على أمتنا دون مواربة.

 

عندما غمر الطوفان أرضنا المحتلة كانت مصر غائبة عن لحظة البدء، وقرار الضربة التى قامت بها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي، وبدا واضحا أن التحرك المصرى وقف موقفا محايدا لأول مرة في تاريخ القضية الفلسطينية، ولم تظهر أى عاصمة عربية أخرى لتسد فراغ القاهرة!

 

بدا واضحا أن الإرادة المصرية والقدرة المصرية وحدها كانت هى القادرة على صيرورة الأمور حربا وسلاما، وبدا يقينا أن الذين نافسوا القاهرة في العقود الخمسة الماضية، لا يملكون مقومات الفعل الإيجابى في الأحداث، وظهر للجميع أن غياب القاهرة كان غيابا للعرب جميعا.

 

وأنا هنا لا أناقش ما إذا كانت فكرة الحياد صحيحة من عدمه، فأنا كمواطن لا يمكن أن أقف على حياد بين مجرم وصاحب حق، ومن حقى كمواطن أن أعبر عن ذلك احتجاجا واعتراضا بكافة الصور التى كفلها القانون، ورسم طريقها الدستور وخطت ملامحه تاريخ شعبنا العظيم.

 

وإذا كان ولاة الأمور كما نطلق عليهم في منطقتنا العربية لديهم ما يجعلهم يقفون موقف المتفرج أو المساهم، فيما يسمونه التنديد والشجب والإدانة، فإن هذا لا يعنى أن يقفوا حائلا بين الجماهير وبين إظهار مشاعر الغضب والاحتجاج، مثلما فعلت عواصم غربية تمد الاحتلال بالسلاح، وتقف شعوبها على نحو مغاير للموقف الرسمي.

 

الفرنجة في باريس وفي لندن وفي أوسلوي وفي واشنطن وفي عواصم عدة يتحركون منددين بأكبر مذبحة ضد الإنسانية في غزة، وتطال الآن أهلنا ف الجنوب اللبناني، ولم تتحرك جماهير عواصمنا العربية إلا في العاصمة الأردنية، أما غيرهم فإن قوات الأمن تحاصر الميادين وتمنع مجرد أعلام الغضب.

 

لا أفهم ما هى الفوائد التى تعود على الأنظمة العربية إذا ما هزمت المقاومة وانتصر الكيان الصهيونى الذى أعلن دون تردد أنه يغير الشرق الأوسط بمذابحه؟ ولا أعرف ما العوائد التى ستجنيها الأنظمة العربية من وراء استئساد الكيان المحتل وانفراده بالمنطقة كلها؟

 

لا أعرف ما معنى أن يعلن وزير صهيونى أنهم يخططون لضم أرض من الأردن ومصر والعراق وسوريا دون أن نسمع صوتا رسميا واحدا يرفض ذلك بمنطق الرفض، أو يترك لنا نحن الجماهير الخروج إلى الشوارع ؟ ولا أفهم معنى أن نساهم في حصار آخر حصون الرفض للاحتلال؟!

 

هل يتصور الساكتون عن الحق أن نيران العدو بعيدة عن النيل منهم ومن أوطانهم؟ هل يعتقد الصامتون دعما للاحتلال أن نتنياهو سيقف عند حد هضم غزة أو جنوب لبنان؟ هل يظن المتساهلون مع العدو أن للصهاينة وعدا أو عهدا أو كلمة يحترمونها؟

 

 

وإذا كانوا على هذا النحو من اليقين الكاذب ألا تحركهم صور الأطفال القتلى تحت القصف؟ ألا تنازعهم مشاعر الأبوة كبشر عاديين؟ ألا تؤرقهم مشاهد النساء الثكالى والهاربات من الجحيم إلى جحيم؟ ألا تزعجهم صور الجثث التى ينكل بها أعداء الله وأعداء الإنسانية؟

الجريدة الرسمية