رئيس التحرير
عصام كامل

الشماتة في نصر الله!

على وقع الخبر الصادم باستشهاد السيد حسن نصر الله، انقسم الناس إلى فريقين أحدهما أحاط نفسه بكآبة، وثانيهما غرق في بحر الشماتة، والفريق الأول هو الفريق الباحث عن بطل قومى يلتف حوله يتدثر ببطولاته، والثانى اختزل الرجل في أنه شيعى، وربما وصل هذا الفريق إلى وصفه بالكافر.

ونصر الله بعيدا عن رؤيتين ضيقتين، واحد منا آمن بالمقاومة وقضى حياته بين المقاتلين؛ بحثا عن نصر، وسيرا إلى وقف نزيف الأمة التى فقدت بكارتها النضالية عندما سقط منها من سقط فى بئر الركون إلى ظل عدو لا يزال يقتل فينا كل من قال لا.

ويخطئ من يصور للعامة أن نصر الله كان أداة لنظام أو دولة حتى لو كانت إيران، فالذين يتاجرون لا يتاجرون بأرواحهم والذين يبيعون أوطانهم إنما يتمسكون بالحياة الدنيا، وهو ما لم يفعله نصرالله أو إسماعيل هنية، إن الذين يموتون تحت القصف إنما يقضون لأنهم آمنوا بفكرة.

ويخطئ من يحزن أو يكتسى برداء اليأس؛ لأن نصرالله رحل تحت القصف، فما معنى أن تعيش راكعا تحت نعال عدوك، وغيرك يموت واقفا؟ ما معنى أن تترك لعدوك كل تلك المساحات ليعيث في الأرض فسادا؟ وما معنى أن تسلم المنطقة العربية كل مقدراتها للحركة الصهيونية العالمية وتسمى هذا سلاما ووفاقا وتعايشا بين الأديان؟

يقينا مات حسن نصر الله واقفا، منتصبا، شامخا، ويقينا أن هناك غيره يعيشون ركوعا تحت نعال صهيونية، ويقينا أن الذين يعيشون حياة العبيد لبثوا فى كذبهم عقودا عددا، ويقينا لم تمر منطقتنا العربية بمثل ما تمر به الآن من تشرذم واستمساك بالعروة الكاذبة.


لم نر في تاريخنا -وفى أضعف حلقاته- مثل ما نرى اليوم من هوان واستسلام وخذلان، فقد ظهر بيننا من يتهمون كل مقاوم ومجاهد وصابر بأنه يقع بين منطقتين؛ أولاهما أنه خائن، وآخرهما أنه إرهابي، لدرجة أن دولا عربية تعد حزب الله الذى يزود عن أمة مهانة بأنه تنظيم إرهابي.

من يتهمون الهلال الشيعى بأنه يسعى للهيمنة على المنطقة العربية، فماذا فعل العرب وماذا فعل السنة وهلالهم هو الهلال المستسلم طوعا! وهو الهلال الداعم لكيان يقتل أطفالنا ويقتل نساءنا ويقتل شيوخنا ويمارس القتل ليل نهار تحت وقع حفلات الصخب العربية المسماة مهرجانات التغيير.

لست سُنيًّا إن كان ذلك يعنى أن أترك وطنى يُنهب وتُسلب أرضه وتُنتهك أعراض نسائه، وأنا شيعى الهوى إن كان الشيعة هم حملة لواء مقاومة الغرب في حربهم الصليبية الجديدة..

 لست سُنيا ولا أريد أن أكون إن كان هذا المصطلح يعنى أن أُسلم هيبتى وكرامتى لعدو، وإن فعلت إنما أقول إذن شططا.

ما معنى أن تكون سُنيا ويكون المرادف أن تسلم نفسك وبيتك وأهلك ومقدراتك إلى الكيان المحتل ليمارس فيك وفي وطنك ما مارسه مغول العصور القديمة؟!

 ما معنى أن تكون سُنيا ويختزل يقينك وعقيدتك في الاستسلام والهوان والعيش مهددا في كرامتك قبل حياتك؟

ما معنى أن ترفع الراية البيضاء وتسمى ذلك تعايشا، وما معنى أن تترك ذئبا ينهش لحم أطفالك وتسمى ذلك حوارا؟!

 وما معنى أن تصف من يغتصب أهل دارك بأنه المخلص من براثن الشيعة الكفرة؟! 

وما معنى أن تصبح نسيا منسيا وتسمى ذلك حرصا على المصالح العليا للوطن؟!


ما معنى أن تكون سُنيا ليصبح المرادف لذلك أن اليد التى لا تستطيع قطعها عليك أن تقبلها، وتخضع لها وتخنع أمام قوتها، وتسمى ذلك سلاما؟!

ما معنى أن تكون مسلما أصلا إن كان ذلك يعنى أن الركوع أمام العدو عبادة، وأن الفرار من المواجهة صلاة، وأنهم إن يظهروا عليك فإن الهروب زهدا وتقربا إلى الله؟


 


إن في الموت وقوفًا حياة، وفي الحياة ركوعًا تحت سطوة الجبروت والظلم موتًا ليس بعده حياة، فاختاروا الموت وقوفًا أنبل لكم وأبقى، حتى لو كانت حياة الذل تعنى المواطنة في بلاد عاد فيها الوطن مكبلًا بطلاسم الجاهلية الأولى، وأصبح فيها المستسلم مواطنا وأصبح فيها المقاوم إرهابيا.

الجريدة الرسمية