الدور الاجتماعي المفقود للصحافة! (1)
لماذا لا تستثمر الصحف والمواقع الإلكترونية التطور المذهل لوسائل الاتصال في تعميق التواصل مع الجماهير والاستماع لشكاواهم، ونقل معاناتهم للحكومة لحظة بلحظة عن طريق خط ساخن يتلقى اتصالات الناس، كما كنا نفعل في جريدة الجمهورية التي سبقت زمانها بقسم الخدمات الصحفية الذي شرفت بتأسيسه والإشراف عليه قبل ربع قرن.
ما أشد حاجة الناس لمن يستمع لمشكلاتهم وأنينهم مع الغلاء وسوء الخدمات الصحية ونقص الأدوية وارتفاع أسعارها المستمر ناهيك عن معاناتهم مع الدروس الخصوصية وغيرها وغيرها!
صدقوني ستحقق الصحف ومواقعها بمثل هذا الخط الساخن تفاعلا كبيرا وانتشارا أوسع ومصداقية أكبر لدى الجمهور، الذي سيشعر بأن هناك من يهتم به ويصغي لمعاناته.
أقول هذا عن تجربة عشتها خلال مشواري الصحفي الطويل الذي مررت خلاله بمحطات كثيرة، بعضها كان علامة فارقة في حياتي؛ وشأني شأن كل مجتهد في عمله ومخلص لمهنته اجتهدت وجاهدت منذ تعييني محررًا صحفيًا بجريدة الجمهورية..
حتى ترقيت لكل المناصب بالكفاءة والجدارة وليس بالأقدمية التي خلقت سيولة جعلت معظم الأقسام بالصحف نوابًا لرئيس التحرير مقابل محرر واحد في هذا القسم أو ذاك، ترقيت من محرر إلى رئيس قسم مرورًا بنائب رئيس تحرير، ثم نائب أول لرئيس التحرير، ثم رئيسًا للتحرير؛ فرئيسًا لمجلس إدارة دار التحرير للطبع والنشر(الجمهورية)..
لكن مسيرتي الصحفية على كثرة محطاتها فإن أكثر ما أعتز به هو قسم الخدمات الصحفية المتميزة "139 جمهورية" الذي كلفني الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ سمير رجب، بالإشراف عليه فترة طويلة إلى جانب مهامي الصحفية الأخرى..
وكان هذا القسم أيقونة صحفية جماهيرية سبقت زمانها تكنولوجيًا وجماهيريًا؛ باستحداث لون صحفي جديد للصحافة العربية؛ هو صحافة المواطن الذي شارك وقتها في صناعة الخبر والتحقيق والتقرير وحتى الحوادث التي كانت تصل لمسامع الجريدة قبل أن تعلم بها الأجهزة المعنية ذاتها باستخدام الهاتف قبل أكثر من عقدين وقبل أن يتربع المحمول وتطبيقاته على عرش التكنولوجيا.
كانت البداية قبل ثلاث سنوات من انتقال "الجمهورية" لمبناها الفخم الذكي تصميمًا وتجهيزًا في شارع رمسيس؛ حيث ولدت الفكرة وخرجت إلى النور بين جنبات المبنى العتيق للجمهورية بشارع زكريا أحمد، وقد وافقت على مهمة تأسيس والإشراف على هذا القسم الجديد ؛ شريطة اختيار جميع أعضائه صحفيين وإداريين بنفسي..
وعلى رأسهم الزميلة القديرة جمالات يونس لتكون نائبة لي لما تتميز به من الكفاءة وحسن الإدارة والحسم والجدية والمهنية.. وبالفعل وقعنا البروتوكول مع وزارة الاتصالات في 14من أكتوبر عام 2000..
وبدأنا العمل في العام التالي مباشرة وانخرط معنا أكثر من 100 صحفي وإداري بعضهم من داخل المؤسسة وبعضهم من خارجها، وكلهم فتحوا بيوتًا من العمل في هذ القسم الجديد، واجتهدوا في عملهم حتى انتشروا في أقسام الجريدة صعودًا للديسك المركزى، وتولي مهام قيادية بالصحيفة.
ولا أبالغ إذا قلت إن من عملوا في قسم "139 جمهورية" مارسوا كل فنون العمل الصحفي؛ فهم يأتون بالخبر الجديد، والتحقيق السريع، والمتابعة اليومية وصياغة الموضوعات في ديسك خاص بهم جرى فيه تجهيز ومراجعة كل المادة الصحفية قبل إرسالها للديسك المركزي تمهيدًا لنشرها بالصحيفة.
كان كل من عمل في (139 جمهورية) يملك الصلاحية والقدرة على الاتصال بكبار المسئولين والمحافظين والوزراء، بل وإحضارهم إلى الجريدة ليديروا بأنفسهم حوارًا مباشرًا مع المواطنين عبر الهاتف ليتلقوا استفسارات الناس وشكاواهم وتنفيذ مطالبهم.. فهل يمكن لصحف اليوم أن تؤدي هذا الدور الاجتماعي المفقود؟!